فمَا زلَوْا معه على كر وفر، ومضاربة بكل صارم ذكر، حتى سئموا من الَمْضاربة، فرجعوا بصفقة خائبة، ونجا هو وبنو عمه، وباء الخائن بخزيه وإثمه، فأناخ رجاله في بادية العراق، إلى أن اخضر عيشه وراق. ووجدت في كراسات الشيخ منديل هذه الأبيات لزوجة مطلق ترثى مسلطاً وأباه:
ونَّيتْ وَنَّة من شَلَع ضِرْسِه الْقَازْ ... اللِّي صبر لَلْجزْ يَجْذبْ مِنْينِهْ
عليكْ يا حَامِي الَمْظَاهِير، طهْمَازْ ... لَجَّتْ فَرَاقِيْنَ الْعَرَبْ فَاقْدِيْنِهْ
جانا عقابٍ فَرَّقَ الْحُرّ والْبازْ ... وَغَدا بْصَيَّادَ الْحَبَارِي حَثِيْنهْ
الدمع من عيني يِجِيْ فَرْد واجْوَازْ ... والشَّيْب لاح بْقِذْلِتي قَبْل حِيْنِهْ
وقال صاحب " لَمْع شهاب ": ثم إن عرب الشريف الذين كانوا ملتجئين به من بداة نجد تفرقوا عنه راجعين إلى أطراف نجد، فقحطان احتاروا إلى تثليث، وعتيبة إِلى بَرِّيَّةِ مّكَّة كَرُكْبَةَ ومَا يليها، وأمَا مُطَيْر فاحتازوا إِلى أَرض شَمَّر، واتفقوا مع مُطلق الجرباء، وبادية شَمر جميعها التي في الجبل، وصار بينهم أَهل القرى التي في الجبل حرب، فأَرسل أَهلُ الجبل إِلى عبد العزيز بن سعود أَنَّ هذا مُطلق الجرباء نكث، والتجأَتْ مُطَيرْ إِليه فهذا اليوم نحاربه، وكان إِذًا شيخ مطير حسين بن وطبان رجل شجاع، فلَمْا سمع عبد العزيز بهذا الخبر بعث ولده سعود بجيش إِليهم، وعه بعض من عَنَزَةً، وكانوا أضددًا لَمْطَيْر، وعه أَيضاً بَدْو العارض: سُبيْع والعجمَان، وهذه الَمْسيرة أول معاضدته لآل سعود، وشهور شأْنه في جزيرة العرب، ثم صار له صيت كبير، وهذا الجيش يبلغ خمسة آلاف رجل " بواردي " وثمَان مئة فارس، فصبَّحَ عرباً يقال لهم البراعِصَة من مُطَيْرٍ، وزعيمهم اسمه سعود؟ يكنى بحصان الشيطان، أَو بحصان إِبليس، وهو الذي كَنَّى نفسه بهذه الكنية، وهو شجاع معدود، ومعه مئتا فارس من رفقته، فحاربوا سعوداً وقد قتل من فرسانه نفر وقد قتل حصان إِبليس وأَولاده، وأَولاد أَخيه، وأُخِذَت بيوته وأغنامهم، وكانت إِبلهم غائبة في الفلاة. وبعد هذا اشتدَّ الأَمُر على مطلق الجرباء، وحسين الدويش، وضاقت بهم الدنيا وكانا على مَاء يسمى " يا طب " عن حائل ثمَان ساعات، فأَقبلا صائلين على سعود، وعسكروا يريدون منا جزة الحرب معه، فوقعت الحروب بينهم وبين سعود، فَساقَ أولا في وجوههم حتى دفع جموعهم بها، ثم أعقبهم بالخيل والرجال، فقتل ولد مُطلق الجرباء اسمه سلطان، وانهزمت تلك البوادي، وعددهم كثير، فأَخذ أَموالهم وقتل من قتل وأُسر من أُسر، وجملة أمولهم لا تحْصَى عدا، فجلا مُطلق الجرباء إلى العراق من ذلك اليوم.
ب - في رمضان من سنة 1212هـ نازل الإمَام سعود بن عبد العزيز عرباناً كثيرة من عدة قبائل بزعامة مُطلق بن محمد الجرباء في وادي اْلأُبيِّضِ قُرْب السمَاوة بالعراق ومَا كان أَحد يقف أَمَام كَراتِ مُطلق ذكر ذلك ابن بشر وابن سند وقتل قُرَيْنِيْس أَخو مُطلق. وقال ابن سند - كمَا نقلت من أَوراق الشيخ حمد الجاسر غزا سعود بن عبد العزيز بن محمد سعود في سنة 1212 أَطراف بني الَمْنْتَفِق، فصبَّح القرية الَمْعروفة بأَم العباس، فقتل منها وممن حولها خلقاً كثيراً ونهب وحرقَّ، ثم كَرَّ راجعاً وحمود في البادية، فلَمْا بلغه الخبر جَدَّ، في السير ليدركه، كمَا أَدركه، وبعدمَا كَرَّ سعود راجعاً ووصل إلى أَطراف نجد، عطف وأغار في سنته تلك على بادية العراق، وكان مُطلق بن محمد الجرباء نازلاً في بادية العراق، فلَمْا صَبَّحهم سعود فَرَّ من فَرَّ منهم وثبت من ثبت، وقاتل جيش سعود مُطاق الجرباء، فكَرَّ الفرسان مرة بعد مرة، فكلَمْا كَرَّ على كتيبة هزمها، فحاد عن مطاعنته الشجعان، فكان من الله تعالى الذي لا يُرَدُّ أَنه كَرَّ عليهم في بعض كراته فعثرت فرسه في شاة، فسقط من ظهر فرسه فقتل، رحمه الله تعالى - وكان قتله عند سعود من أَعظم الفتوح إِلا أَنه وَدَّ أَسره دون قتله.