جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِى مُوسَى، فَقَالَ: أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَرَأَيْتَ لوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ فَلمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا، كَيْفَ يَصْنَعُ بَالصَّلاةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ لمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِى سُورَةِ المَائِدَةَ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (?) فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ: لوْ رُخِّصَ لهُمْ فِى هَذِهِ الآيَةِ، لأَوْشَكَ، إِذَا بَرَدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنكره لردَّ حجة أبى موسى بالآية عليه، وقد أدخل البخارى هذا الحديث تحت ترجمة (إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت)، وذكر حديث عمرو بن العاص فى تيممِه فى ليلةٍ باردة وتلاوته: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُم} (?) وأنه ذكر ذلك للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يُعنّفهُ، ثم أدخل حديث أبى موسى وعبد الله ليُشعِرَ بالخلاف فى المسألة والله أعلم (?).
ولا خلاف بين فقهاء الأمصار إذا خاف التلف باستعمال (?) الماء أنه يتيمم، إِلا شىء روى عن الحسن: يغتسل وإن مات، فإن خاف دوام المرض أو زيادته أو حدوثه فلمالك فى هذا الأصل قولان، حكاهما ابن القصار، وكذلك للشافعى، والذى فى الأمهات لمالك أنه يتيمم، وأبو حنيفة والثورى يجيزان ذلك، ومنعه الحسنُ وعطاء وأبو يوسُف وصاحبُه فى الحضر وأجازه فى السفر، وذهب بعض أصحاب الحديث أنه يجزئه الوضوء هنا عن الغسل لحديث عمرو بن العاص، وفيه أنه توضأ وصلى بهم (?)، وبه قال من أصحابنا أحمد بن صالح المصرى المعروف بابن الطبرى من أصحاب ابن وهب لغلبة الحديث عليه.
وفى هذا الحديث عادةُ الصحابة فى المناظرة فى العلم والحجاج بكتاب الله وسنة نبيه، والمقاييس الصحيحة عليها والالتفات فى الاجتهاد لقطعِ الذرائع لما تؤول إليه، وفيه جواز الانتقال من دليلٍ إلى دليلٍ أظهر منه إذ حقيقة المناظرة التعاون على إظهار الحق وبيانه، خلاف ما يذهب إليه أهل الجدل من المتكلمين من منع الانتقال وأنه انقطاع، والأصل فى هذا قصة إبراهيم - عليه السلام - فى انتقاله من الحجة بالإحياء والإماتة إلى الحجة بالإتيان بالشمس من المغرب.