يُشْرِكُوا بِى مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ الله نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَربَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلا بَقَايا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ. وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ، وَأَنْزَلتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الماءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِى أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا. فَقُلْتُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وأبين -: أى استخفوهم فذهبوا بهم، وجالوا معهم، وساقوهم إلى ما أرادوه بهم أو بمثله، فسره الهروى (?) وغيره. وقال شمر: اجتال الرجل الشىء: ذهب به وساقه، واجتال أموالهم واستجالها: أى ساقها وذهب بها. ومن رواه: " اختالتهم " بالخاء فقد يصح عندى أيضًا، ويكون معناه: يحبسونهم عن دينهم ويصدونهم عنه، ويتعاهدونهم ويلازمونهم فى ذلك.

وقد قيل فى قوله: " يتخولهم بالموعظة ": أى يحبسهم عليها، كما يحبس خوله ويتعهدهم، قاله ابن الصابونى (?). وقال الفراء: الخائل: الراعى للشىء الحافظ له، وقد خال يخول واختال، افتعل من هذا - والله أعلم.

وقوله: " إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك ": البلاء: المحنة والاختبار والتجربة. واستعمل فى الخير والشر، يقال: بلوته وابتليته، يقال: اللهم لا تبلنا إلا بالتى هى أحسن، قال الله تعالى: {وَلِيُبْلِىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا} (?). وأكثر ما يستعمل مطلقًا فى المكروه ومنه فى الدعاء: " نعوذ بك من جهد البلاء " (?). ومعناه: أمتحنك بما تلاقيه من الصبر على أذى المشركين، وأمتحنهم بما لقوا منك من القتل والجلاء.

وأما قوله: " وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظان "، قال الإمام: فيحتمل أن يشير إلى أنه أودعه قلبه، وسهل عليه حفظه، وما فى القلوب لا يخشى عليه الذهاب بالغسل. ويحتمل أن يريد الإشارة إلى حفظه وبقائه على مر الدهر، فكنى عن هذا بهذا اللفظ.

وقوله: " تقرؤه نائمًا ويقظان " يحتمل أن يريد أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوحى إليه فى منامه كما يوحى إليه فى يقظته، وأنّ ما يراه فى منامه من ذلك حق موثوق به كما يوثق باليقظة، ولا يبعد أن البارى - سبحانه - يريد فى المنام آية من القرآن يقرؤها تقدم إنزالها، أو يكون أعلم بصحتها يقظان. ويحتمل أنه يقرؤه مضطجعًا كما يقرؤه قائمًا. وسمى المضطجع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015