فَقُمْتُ حِينَ آذنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ مِنْ شَأنِى أقْبَلْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يستوجب قتله لأذى النبى - عليه السلام - فى حياته وتأذيه بقوله، ولم يكن بعد نزول القرآن فيكون مكذباً له، فأما اليوم فمن قال ذلك فى عائشة قتل لتكذيبه القرآن وكفره بذلك، وأما غيرها من أزواجه فالمشهور أنه يحد لما فيه من ذلك حد، ويعاقب لغيره. وحكى ابن شعبان (?) قولاً آخر: أنه يقتل على كل [حال] (?) وكان هذا التفات إلى أذى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك حياً أو ميتاً - والله أعلم.
وفيه أن التعصب فى الباطل يقدح فى العدالة، ويخرج عن اسم الصلاح؛ لقول عائشة: فاجتهلته الحمية وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً. والصلاح: القيام بحقوق الله تعالى وما يلزم من حقوق عباده، وتجنب مخالفته.
وفيه جواز سب المتعصب فى الباطل والعاصى، والمتكلم بمنكر القول، والإغلاظ فى سبه يشبه صفته، فإن لم يكن فيه حقيقة كقول أسيد: كذبت، إنك منافقٌ تجادل عن المنافقين، وحاش لسعد من صفة النفاق، لكن لما كان منه من ظاهر التعصب لابن أبى المنافق استحق التعرض له والسب والتأديب كمثل هذا القول الغليظ. وقال الداودى: إنما أنكر سعد بن عبادة من قول سعد بن معاذ بحكمه فى قومه بحكم أنفة العرب، وما كان قديماً بين الحيين من الأنصار، لا أنه رضى فعل ابن أبى.
وقوله: " كذبت، لعمر الله، لا تقتله ": أى لا يجعل النبى حكمه إليك، قال الإمام: قول أسيد لسعد: يا منافق، قد تقدم الكلام على أمثال هذا اللفظ الذى يقع بين الصحابة، وأنه يجب أن يحمل على ما يليق بهم، والأشبه أن أسيداً إنما وقع ذلك منه على جهة الغيظ والحنق، وبالغ فى زجر سعد، ولم يرد النفاق الذى هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر. ولعله أراد أن سعداً كان يظهر [إليه] (?) وإلى الأوس من المودة ما يقتضى عنده ألا يقول فيهم ما قال، فاستلوح من هذا الكلام أن باطنه فيهم خلاف ما ظهر إليه. والنفاق فى اللغة يطلق على إظهار ما يبطن خلافه ديناً كان أو غيره، ولعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجل هذا لم ينكر عليه أنه كان يسمع قوله هذا.
قال القاضى: وفيه حمد عاقبة الصبر، وفيه شكر الله على إحسانه بالعمل الصالح، كما رد أبو بكر النفقة لمسطح. ولقوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (?).