قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِى؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ". قَالَ: "فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ". قَالَ: "فَيَقُولُونَ: رَبِّ، فِيهِمْ فُلانٌ، عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ". قَالَ: " فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويجتمعون فى جميع جوانبهم، ويحدق بعضها بعضاً. وحفاف الشىء: جانباه، كما قال: " حتى يملؤوا ما بين السماء والأرض ".
وقوله: " ويستجيرونك من النار " وقوله: " قد أجرتهم مما استجارونى ": كله من الأمان، والجوار يأتى بمعنى الأمان.
وقوله فى الذى مر بينهم فجلس - زاد فى البخارى: لحاجة -: " قد غفرت لهم، هم القوم لا يشقى جليسهم " (?) فيه فضل مجالس الذكر وإن لم يكن الجالس فيها من أهلها. [وفيه] (?) فضل مجالسة الصالحين وتزكيتهم.
والذكر ذكران: ذكر الله بالقلب: وهو الذكر الخفى، وذكر القلب - أيضاً - عند أوامره ونواهيه. وذكر باللسان: كما جاء عن عمر بن الخطاب، فذكره بالقلب، وهو الذكر الخفى وهو أرفع الأذكار، الفكرة فى عظمة الله وجلاله وجبروته وملكوته وآياته فى أرضه وسماواته، وفى الحديث: " خير الذكر الخفى " (?)، وبعده ذكره بالقلب عند أوامره ونواهيه، فينتهى عما نهى عنه، ويمتثل ما أمر به، ويتوقف عما أشكل عليه. وذكره باللسان مجرداً هو أضعف هذه الأذكار الثلاث، لكن له فضل عظيم، كما جاء فى الآثار: لكل فضل بقدر مرتبته.
وقد ذكر أبو جعفر الطبرى وغيره اختلاف السلف: أيهما أفضل الذكر باللسان أو بالقلب؟ والخلاف عندنا (?) إنما يتصور فى تحديد (?) الذكر بالقلب من التسبيح والتهليل وشبهه من أذكار اللسان إذا لم ينطق بها اللسان وعليه يدل كلامهم، لأنهم مختلفون فى الذكر الخفى للذى ذكرناه أولاً من الفكر وإحضار دلائل المعارف والعظمة، فتلك لا يتلونها (?) ذكر اللسان، فكيف يتفاضل معها، وإنما الخلاف فيما ذكرناه، وكل ذلك مع حضور الثلاث بذكر اللسان، فأما والقلب لاهٍ فلا.
فمن رأى ذكر القلب أفضل قال: لأن عمل السر أفضل. ومن قال: ذكر اللسان أفضل قال: لأن فيه زيادة أعمال الجوارح على عمل ذلك بالقلب، ففيه زيادة عمل [منه] (?) تقتضى زيادة أجر، ولذلك اختلف فى ذكر القلب، هل تكتبه الملائكة ويعمل؟ فقيل ذلك، وأن الله يجعل لها على ذلك علامة، وقيل: إنه لا يكتب؛ لأنهم لا يطلعون عليه.