لأحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِى ذَلِكَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فَي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا} (?).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد روى فى حديث آخر: أنه قال للزبير أولاً: اسق إلى الكعبين] (?)، فلما رد عليه الأنصارى [قال له] (?): " اسق حتى يبلغ الجدر ": فيه صبر النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأذى والاحتمال للجفاء، ويجب التأسى به على ما تقدم، ومثل هذا لو صدر اليوم من أحد فى حق النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تهمته فى الحكم، ورميه فيه بالهواء والميل، لكان كفرًا يجب قتل قائله، لكنه - عليه السلام - كان أول الإسلام يؤلف ويدفع بالتى هى أحسن، وكان يصبر للمنافقين ومن فى قلبه مرض على أكثر من هذا من التصريح والتعريض، وكان يقول: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا " (?)، " ولا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه " (?)، وقال الله تعالى: {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (?).
وقوله: إنى لأحسب هذه الآية فى ذلك نزلت: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية (?): اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فقيل: فى شأن الزبير كما تقدم. وقيل: فى رجلين تحاكما إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحكم على أحدهما، فقال له: ادفعنى إلى عمر بن الخطاب. وقيل: فى قصة اليهودى والمنافق اللذين اختصما إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يرض المنافق بحكمه وطلب الحكم عند الكاهن، قالوا: وهو قول مجاهد، وأشبه بسياق الآية وما قبلها. وقال الطبرى: لا ينكر أن تكون نزلت فى الجميع. وحكى الداودى: أن الذى خاصم الزبير كان منافقاً (?).
وقوله عنه: " من الأنصار ": أى من قبيلهم لا منهم.