. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المعجزات فلك فيها طريقان: أحدهما أن تقول: تواترت على المعنى، كتواتر جود حاتم وحلم أحنف، فإنه لا ينقل قصة بعينها فى ذلك تواتراً، ولكن تكاثرت القصص من جهة الآحاد حتى صار محصولها التواتر بالكرم والحلم. وكذلك تواترت معجزاته سوى القرآن حتى ثبت انخراق العادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير القرآن والطريقة الثابتة، أو يقول: فإن الصاحب إذا روى مثل هذا الأمر العجيب وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة، وهم يسمعون روايته ودعواه، مع حضورهم معه ولا ينكرون ذلك عليه، فإن ذلك تصديق له يوجب العلم بصحة ما قال.
" كربضة العنز ": فيشبه أن يريد: كربض العنز. وقد وقع فى بعض الأحاديث أنه بعث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضحاك إلى قومه، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتيتهم فاربض فى دارهم ظبياً ". قال ابن الأعرابى: أراد: أقم فى دارهم آمناً كأنك ظبى فى كناسة قد أمن حيث لا يرى إنسياً. قال غيره. وفيه وجه آخر: أنه أمره [أيأتيهم] (?) كالمتوحش لأنه بين ظهرانى الكفر، فمتى رابه منهم ريب نفر عنهم وفى حديث آخر: " فدعا بإناء يربض الرهط " أى يرويهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض. وأربضت الشمس: اشتد حرها حتى تربض الوحش فى كناسها. وفى الحديث: " مثل المنافق مثل الشاة بين الربضين " (?)، قالوا: ربيض الغنم نفسها، أراد أنه مذبذب. ويروى: بين " الرابضين "، معنى هذه الرواية: مربض غنمين.
وفى حديث آخر - لما ذكر أشراط الساعة -: " وأن تنطق الرويبضة فى أمر العامة " قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ فقال: " الرجل التافه ينطق فى أمر العامة " (?) قال الأزهرى: تصغير الرابضة الرويبضة كأنه جعل الرابضة راعياً للربيض، والهاء فيه للمبالغة. وقيل: إنما قيل للتافه من الناس: رابضة ورويبضة؛ لربوضه فى بيته، وقلة ابتعاثه فى معالى الأمور. يقال: رجل ربض عن الحاجات والأسفار: لا ينهض فيها.
وقوله: " فيها نطفة ": العرب تقول للماء الكثير: نطفة، وللماء القليل: نطفة، ومنه الحديث: " حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى جوراً " (?) أراد بحر المشرق