مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ. كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا. وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ. فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِى كُفَّارًا - أَوْ ضُلالاً - يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلا لِيُبَلَّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ ". ثُمَّ قَالَ: " أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ".
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِى رِوَايَتِهِ: " وَرَجَبُ مُضَرَ ". وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ: " فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِى ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله - عليه السلام - لهم وسكوته بأنه كان سؤال على طريق التقرير والاستنصات. وقوله: " الله ورسوله أعلم " صرف للجواب إليه؛ لعلمهم أنه لم يجهل ما سأل عنه، ولا طلب منهم جوابه بالحقيقة، بل تقريرهم كما يورده عليهم، أو لما ذكروه أنهم ظنوا أنهم لما سألهم عنه إنما ذلك لما لم يعلموه ليسمى لهم ما سألهم عنه بغير اسمه، لا يراد عجباً ذلك، كما سمى المدينة طابة، وسمى العتمة العشاء، وغير ذلك.
وقوله: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا، فى شهركم هذا " كل هذا تأكيد لحرمة الدماء والأموال والأعراض، وتحريم لمظالم العباد، كتأكيد حرمة يوم النحر من شهر الحج فى حرم مكة.
وقوله: " أى يوم تلقون ربكم؟ " دليل على أن تحريم مكة وذى الحجة وتعظيمها وتعظيم يوم النحر تحريم الأعراض والأموال والدماء إلى الأبد، وأنه لا رخصة فى شىء من ذلك. وقوله: " لا ترجعوا بعدى كفاراً أو ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض ": تقدم الكلام عليه، وأنه لا حجة فيه لمن يكفر بالمعاصى، وأن معناه كفر دون كفر، وكفر نعمة وشكراً من لا يكفر دين وردة، وقيل: كفر فعل مما تقدم لكم من البيان والتصديق والإيمان. قيل: هذا الكلام من تحريم دمائكم. وقيل: كفار متكفرين فى السلاح للقتال، قد يكون ذلك فيمن ارتدوا فى الخوارج على القول بتكفيرهم، وتكفير أهل البدع. فقوله: " ألا ليبلغ الشاهد الغائب " حجة فى لزوم إبلاغ العلم ونشره.
قوله: " فلعل بعض من لم يبلغه أوعى له من بعض من سمعه ": حجة فى جواز الحديث عن الشيوخ ومن لا علم عنده ولا فقه، إذا ضبط ما يحدث به. وفى كلامه هذا وهو على بعيره حجة لاتخاذ المنابر للخطب؛ لأن المقصود ارتفاع الخطيب على جماعة الناس ليستمعوا كلامه، ولا يخفى عليهم خطبته بقوله: " ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وإلى جزيعة من الغنم ففسمها بيننا " هكذا هى " خزيعة " بالزاى عند كافة الرواة، وكان عند شيخنا أبى محمد الخُشَنى وبعضهم: " خديعة " وأراها رواية ابن ماهان - أيضاً - بالذال، وهو وَهْم، والصواب الأول، أى قطعة من الغنم.