تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً " فَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ.
22 - (...) وحدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ - أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِى البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعْدَهُ ". فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلْبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابَ اللهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ، فاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لنْ تَضِلِّوا بَعْدَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة صورة الاستفهام والتقدير والمعنى النفى المحض، وإلا صحت الروايات الأخر، فيكون من قائلها خطأ وعلى غير تحقيق، بل لما أصابه من الحيرة والدهش العظيم ما شاهده من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه الحال التى دلت على فقده، وعظيم المصاب به، وخوف الفتن والضلال بعده، فلم يضبط ما قاله، وأجرى الهجر مجرى شدة الوجع، كما حملهم الإشفاق عليه على حراسته، والله تعالى يقول له ويسمعهم: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} (?). وقد رواه بعضهم: " هُجر " بضم الهاء فى غير مسلم، ويحتمل أن يرجع هذا إلى الحاضرين، أى جئتم باختلافكم وتنازعكم هُجراً ومنكراً من القول. والهجر الفحش فى المنطق، وسيأتى الكلام على ما أشار إليه من حديث سحره - عليه السلام - فى موضعه إن شاء الله تعالى.
واختلف العلماء - رحمهم الله - فى معنى هذا الحديث مما تقدم. وقيل: إن معنى هذا الحديث بما تقدم، وقيل: إن معنى الحديث أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن المبتدئ بالأمر به، وإنما سئل ذلك فأجاب إليه، فلما رأى اختلافهم فيه وعدم اجتماعهم على كتابه قال: " قوموا عنى، ودعونى " وهذا عند القائل بهذا يدل أنه كان غير مبتدئ بل مسؤول، وأن الذى أنا فيه من إرسال الأمر وترككم، وكتاب (?) [وتدعونى بما طلبتم] (?) خير.
وقول عمر - رضى الله عنه -: " حسبنا كتاب الله ": رد على مَنْ نازعه لا على أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: خشى عمر - رضى الله عنه - أن يُكتب فى الكتاب ما لعلهم يعجزون عنه فيحصلون بالحرج بالمخالفة، وأن الأرفق بهم سعة الاجتهاد ورحمة الخلاف وثواب المخطئ والمصيبة مع تقرر أصول الشريعة، وكمال الدين، وتمام النعمة. وقيل: قد يكون امتناع عمر إشفاقًا على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تكليفه فى تلك الحال إملاء كتاب؛ ولذلك قال: