. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وروى عن أبى الدرداء والشعبى والزهرى والنخعى نحوه على اختلاف عنهم فى ذلك، والصحيح عن هؤلاء خلافه، وحجة هؤلاء أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر مسلمًا ويهوديًا فى ميراث أخ يهودى، فورّث المسلم، وذكر أن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإسلام يزيد ولا ينقص " (?)، واحتجوا أيضًا بقوله - عليه السلام -: " يعلو ولا يعلى عليه " (?)، وهذا لا حجة فيه؛ لأن المراد به فضل الإسلام على غيره، ولم يصرح فى هذا بإثبات التوريث، ولا يصح أن يرد النص فى قوله: " لا يرث المسلم الكافر " بمثل هذه الاحتمالات.
وأما أهل الكفر فهم عند مالك - رحمه الله - أصحاب ملل مختلفة، فلا يرث اليهودى النصرانى ولا النصرانى اليهودى، وكذلك المجوسى لا يرث هذين ولا يرثانه، وذهب الشافعى وأبو حنيفة وداود إلى أن الكفر ملة واحدة (?)، وأن الكفار كلهم يتوارثون، والكافر يرث الكافر على أى كفر كان، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتوارث أهل ملتين " (?). فلما اعتقد مالك أن أنواع الكفر ملل مختلفة منع التوارث بين اليهودى والنصرانى، وقد قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (?).
ولما اعتقد الشافعى ومن ذكرنا معه أن أنواع الكفر ملة واحدة، ورث اليهودى من النصرانى، والنصرانى من اليهودى، وقد قال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (?)، فوحد الملة، وقال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (?)، فوحد الدين ولم يقل: أديانكم، وقالوا: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتوارث أهل ملتين " كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر من المسلم "، وقد قال بعض من رأى أن الكفر ملل مختلفة: إن السامرية مع اليهود أهل ملة واحدة والصالحين مع النصارى أهل ملة ثانية، والمجوس ومن لا كتاب له أهل ملة، وتكون هذه عندهم ثلاث ملل سوى ملة الإسلام. يحكى هذا المذهب عن شريح وشريك وابن أبى ليلى (?).