وَكَانَ عَبْدُ اللهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال القاضى: اختلف السلف ومن بعدهم من العلماء واللغويين، فى مقتضى لفظة القرء في الآية، هل هو الحيض أو الطهر؟ أو هو منطلق عليهما حقيقة فيهما مشترك اشتراكا لا يظهر رجحان أحدهما على الآخر؟ مع أنه لا خلاف بينهم فى إطلاقه فى اللغة عليهما. وقيل: هو حقيقة فى الحيض، مجاز فى الطهر وقيل: هو مشتق من الوقت، وهو محتمل للوجهين، وقيل: من الجمع والتأليف، وهو ظاهر فى الطهر، وعليه شاهد قولهم: لم تقرأ جَنبنا. وقيل: من الانتقال من حال إلى حال، وهو المراد بالقرء، لا أنه اسم للطهر ولا للحيض، من قولهم: قرأ النجم: إذا أفل، وقرأ إذا طلع، كأنه قال: يتربصن بأنفسهن ثلاثة أدوار وثلاثة انتقالات [وهذا] (?) ظاهر فى الطهر والحيض جميعاً، ويستقيم الكلام بانتقالها من الطهر إلى الحيض.

قلنا: ولا يستقيم بانتقالها من الحيض إلى الطهر؛ إذ السنة الطلاق فى الطهر لا فى الحيض، ويعضد هذا أن براءة الرحم إنما تعرف بالانتقال من الطهر إلى الحيض. ولهذا كانت براءة استبراء الإماء إذا دل مجىء الحيض غالباً على براءة الرحم، ولا يستدل بانتقالها من الحيض إلى الطهر على ذلك؛ إذ قد تحمل الحائض آخر حيضها، فكانت الثلاث فى الحرائر كالواحدة فى استبراء الإماء. حكاه القاضى إسماعيل عن أبى عبيدة، وهذا اختيار الإمام أبى القاسم الطبرى والشافعى، ومتأخرى محققى أصحابنا، وهو حسن دقيق.

ثم اختلف القائلون: إنها الحيض، متى تنقض بها العدة؟ فقال أبو حنيفة وأصحابه: حتى تغتسل من الثالثة، أو يذهب وقت صلاة، وهو قول جماعة من البصريين. وقال الثورى وزفر: حتى تغتسل من الثالثة، وقاله جماعة أيضاً، منهم: عمر وعلى وعبيد الله وإسحاق وأبو عبيد. وقال الأوزاعى في آخرين: بانقطاع الدم حلت، وعن إسحاق إذا طلعت فى الثالثة انقطعت الرجعة، ولكن لا تتزوج حتى تغتسل، مراعاة واحتياطاً للخلاف.

واختلف القائلون أيضاً: إنها الأطهار، متى تحل؟ هل بأول قطرة من دم تراها بعد انقضاء أمر آخر الأطهار؟ أم حتى يستمر حيضها مستقيمة؟ والقولان عندنا معروفان فى ذلك، وعلى هذا اختلافهم فى أقل الحيض كم هو.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015