قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِى وَهْىَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرَ للنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى

ـــــــــــــــــــــــــــــ

فدل أن الواحدة هى للبراءة، وتمييز الأنساب، وما بعدها مبالغة، كذلك ما قبلها، وقبل الطلاق. وذهب بعض شيوخنا إلى أن الحيضتين الأخريين عبادة، والاستبراء حاصل بالأولى كحكم الأربعة أشهر وعشر للمتوفى، وكونها عبادة، فألزمت من استبرأ لها، من صغيرة وغير مدخول بها، حتى أن الحسن وعطاء فى أخرى رأوا إلزامهن الأربعة الأشهر وعشراً، من حين تصح عندهن الوفاة، وإن تقدمت قبل ذلك، لكونها عبادة، وروى مثله عن على بن أبى طالب، وفقهاء الفتيا.

ومعظم السلف من الصحابة والتابعين لا يرون ذلك وأنها تلزم من يوم الموت، فإن لم يعلم به حتى انقضت لم يلزمها شىء، وإن بقى منها شىء فما بقى لا غير.

وذكر يحيى بن إسحاق فى كتابه عن ابن أبى حازم والمغيرة أن المطلقة فى طهر مُسَّت فيه لا يعتد به فى أقرائها، وتستأنف ثلاثة أطهار غيره على أصولهم.

قال الإمام: فيه دلالة لقول مالك أن الأقراء التى تعتد بها المرأة، هى الأطهار، خلافاً لأبى حنيفة فى قوله: إنها الحيض؛ لأنه قال: " فأن شاء طلق "، يعنى عند طهرها، ثم قال: " فتلك العدّة التى أمر الله أن يطلق لها النساء "، ومعنى " لها ": أى فيها، فأثبت - عليه السلام - الطهر عدة، ولا تعلق لهم بقوله: " فتلك " وأن هذا لفظ تأنيث فتحمل على الحيضة، وأنه لو كان المراد به الطهر لقال فذلك؛ لأن المراد هاهنا تأنيث الحالة أو تأنيث العدة.

وكذلك تعلق أيضاً من تعلق من أصحابنا، بدخول الهاء فى الثلاث، فى قوله سبحانه: {ثَلاثَةَ قُرُوء} (?) أنه دلالة على أن المراد [فى القرآن] (?) بالأقراء: الأطهار، ولو أراد الحيضة لقال عز من قائل: " ثَلاث قُرُوء "؛ لأن العرب تدخل التاء فى عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة، وتحذفها من المؤنث، فإثباتها فى قوله: {ثَلاثَةَ قُرُوء} يدل على أن المراد الأطهار، وهذا غلط؛ لأن العرب قد تراعى فى التذكير والتأنيث اللفظ المقرون به العدد، فتقول: ثلاثة (?) منازل، وهى تريد ثلاث ديار، وإن كانت الدار مؤنثة؛ لأن لفظ المنزل مذكر. وقد يعتبر المعنى أحياناً، قال ابن أبى ربيعة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015