النَّاسَ كَمَا يَنْفِى الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ ".
(...) وَحَدَّثَنَا عمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَقَالا: كَمَا يَنْفِى الكِيرُ الخَبَثَ. لمْ يَذْكُرَا اَلحَدِيدَ.
489 - (1383) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلى مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَصَابَ الأَعْرَابِىَّ وَعَكٌ بِالمَدِينَةِ، فَأَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقِلنِى بَيْعَتِى. فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلنِى بَيْعَتِى، فَأَبَى. ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلنِى بَيْعَتِى، فَأَبَى. فَخَرَجَ الأَعْرَابِىُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا المَدِينَةُ كَالكِيرِ، تَنْفِى خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وغنيمة أهلها من المهاجرين والأنصار أموالها.
وقوله: " يقولون: يثرب وهى المدينة ": يعنى أنها تسمى يثرب، قيل: خص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسمها بالمدينة، وتسميتها فى القرآن يثرب حكاية عن قول من قالها من المنافقين والذين فى قلوبهم مرض. قال عيسى بن دينار: من سماها يثرب كتبت عليه خطيئة. وسماها أيضاً - عليه السلام - طيبة وطابة، وهذا على ما كان عليه - عليه السلام - من استحبابه الاسم الحسن وكراهته القبيح.
ففى اسم " يثرب " من الثرب، والتثريب هو المؤاخذة بالذنب، يقال لمن فعل ما يلام عليه ولم يؤاخذ به: لا تثريب عليك، وثرّب فلان فلاناً على فعله، أى بكّته، والثرب الفساد أيضاً، قيل: وإنما كانت سميت يثرب بأرض هناك، المدينة ناحية منها، ولما فى اسم طيبة من الطيب الذى هو الرائحة المستحسنة، وهذا موجود فى المدينة. ذكروا أنه يوجد أبداً فى رائحة هوائها أو تربتها أو سائر أمورها، أو من الطيب الذى هو الاستحسان والموافقة، وكل موافق طيب، قال الله تعالى: {بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} (?)، ويقال: طاب لى هذا الأمر والعيش، أى فارقته المكاره ووافقنى حاله، أو من الطهارة التى هى ضد الخبث، كقوله تعالى: {الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (?)، سماها بذلك لفشو الإسلام بها، وتطهرها من الكفر والطيب والطاب لغتان بمعنى.
وقوله: " تنفى خبثها " و " ينصع طيبها " أى خرج منها من لم يخلص إيمانه على ما تقدم، ويبقى من خلص إيمانه، قيل: معنى " ينصع ": يخلص، وقيل: يتقى ويطهره.