قَالَ: ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُدُّوهُ عَلَىَّ "، فَالتُمِسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَذَا جِبْرَيلُ أَرَادَ أَنْ تَعلَّموا إِذ لَمْ تَسْأَلُوا ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالبصرة " (?)، وفيه فَزَعُ السلف فى الأمور الطارئة عليهم فى الدين إلى ما عند أصحاب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ هم الذين أُمرنا بالاقتداء بهم، ولما عندهم عنه فى ذلك من علم وأثر، ولهذا نقل مالك فى جامعه من قول الصحابة فى هذا ما نقل. وفيه من حسن أدب المُتعلم مع العالم وتوقيره ما ذكر من صفته جِلسَة السائل، ويُستدل منه أن جبريل -عليه السلام- كان يأتى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحياناً فى صورة لم يعهدها ولا يحصُلُ [له] (?) علم بأنه جبريل لأول وهلة، وهو دليل ظاهر هذا الحديث.
ولقوله: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " وسيأتى الكلام بَعْدُ على صور الملائكة وذواتهم إن شاء الله.
وقوله: " رُدُّوا علىَّ الرجُل ": قد يحتمل علمهُ به عليهما السلام، لكن لم يُعْلِم به الناس لحكمة الله فى ذلك، ويكون قوله: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " إمَّا لأن أمرهَا أيضاً يخفى عن جبريل، أو (?) المراد به السامعونَ، ويكون قوله: " رُدُّوا علىَّ الرجُلَ " ليتحققوا بتلاشيه (?) أنه ليس بآدمى، والتأويل الأول أصح؛ لأنه قد جاء فى صحيح البخارى التصريح بأنه لم يدر أنه جبريل.
وقوله: " وسأحدثك عن أشراطها " (?): أى علاماتها، واحدها شرط، قال أبو جعفر الطبرى: ومن سُمى الشَّرُط لجعلهم لأنفسم علامة يعرفون بها، وقيل: أشراطها مقدماتها وأشراطها الأشياء أوائلها، ومن ذلك يُسمى الشَّرَطَان لتقدُمها أول الربيع (?)، وقيل: الأشراط جمع شُرْطٍ وهو الدون من كل شىء، فأشراط الساعة صغار أمورها قبل قيامها، ولهذا يُسمى الشرط.