وَهَذَا القَوْلُ - يَرْحَمُكَ اللهُ - فِى الطَّعْنِ فِى الأَسَانِيدِ، قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ، مُسْتَحْدَثٌ غَيْرُ مَسْبُوقٍ صَاحِبُهُ إِليْهِ، وَلا مُسَاعِدَ لهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ القَوْلَ الشَّائِعَ المُتَّفَقَ عَليْهِ بَيْنَ أَهْلَ العِلمِ بِالأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ روى عن مِثْلِهِ حَدِيَثًا، وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لهُ لِقَاؤُهُ، وَالسَّمَاعُ مِنْهُ، لِكَوْنِهَمَا جَمِيعًا كَانَا فى عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لمْ يَأتِ فِى خَبَرٍ قَطٌّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا، وَلا تَشَافَهَا بِكَلامٍ، فَالرَّوَايَةُ ثَابِتَةٌ، وَالحُجَّةُ بِهَا لازِمَةٌ، إِلا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَلالةٌ بَينَةٌ، أَنَّ هَذَا الرَّاوِىَ لمْ يَلقَ منْ رَوَى عَنْهُ، أَوْ لمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا وَالأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلى الإِمْكَانِ الذِى فَسَّرْنَا فَالرِّوَايَةُ عَلى السَّمَاع أَبَدًا، حَتَّى تَكُونَ الدَّلالةُ التِى بَيَّنَّا.
فَيُقَالُ لِمُخْتَرِعِ هَذَا القَوْلِ الذِى وَصَفْنَا مَقَالتَهُ، أَوْ للذَّابِّ عَنْهُ: قَدْ أَعْطَيْتَ فِى جُمْلةِ قَوْلكَ أَنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ الثِّقَةِ، عَنِ الوَاحِدِ الثِّقَةِ، حُجَّةٌ يَلزَمُ بِهِ العَمَلُ. ثُمَّ أَدْخَلتَ فِيهِ الشَّرْطَ بَعْدُ، فَقُلتَ: حَتَّى نَعْلمَ أَنَّهُمَا قَدْ كَانَا التَقَيَا مَرَّةً فَصَاعِدًا، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا. فَهَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر مسلم كلام بعض الناس فى المعنعن وهو قولهم: فلان عن فلان ولا يقول: حدثنا، ولا أخبرنا، ولا سمعت، وقولهم ولا يحمل منه على المسند إلا ما كان بين (?) متعاصرين (?) يُعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعداً، وما لم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شهد له لفظ السماع والتحديث، وأنكر مسلم هذا وردَّه ولم يشترط غير التعاصُرِ لا أكثر، والقول الذى ردَّه مسلم هو الذى [عليه] (?) أئمة هذا العلم على بن المدينى والبخارى وغيرهما، ولا بد أن يشترط أن يكون الراوى مع ذلك ممن لا يعْرف بالتدليس.
قال أبو عمر بن عبد البر: وجدتُ أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن بغير تدليس، إذا جمع شروطاً ثلاثةً: عدالتَهم، ولقاء بعضهم بعضاً، وبراءتهم من التدليس (?) على خلاف بينهم فى ذلك، وقال ابن البيّع: المعنعن بغير تدليس متصل