أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَعْرِفُنِى؟ قَالَ: " نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِى لَقِيتَنِى بِمَكَّةَ؟ ". قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللهِ، أَخْبِرْنِى عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ، أَخْبرْنِى عَنِ الصَّلاةِ؟ قَالَ: " صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: " وإنها تطلع حين تطلع بين قرنى شيطان "، قال الإمام: اختلف الناس فى المراد بقرنى الشيطان هاهنا، فقيل: حزبه وأتباعه، وقيل: قوته وطاقته، ومنه قول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِين} (?): أى مطيقين، وقيل: إن ذلك استعارةً وكناية عن إضراره، لما كانت ذوات القرون تسلط بقرونها على الأذى استعير للشيطان ذلك، وقيل: القرنان: جانبا الرأس، فهو على ظاهره.
قال القاضى: تقدم من هذا أول الكتاب فى حديث الفتنة بالشرق وبها يطلع قرن الشيطان، وأول كتاب الصلاة فى الأوقات، وتقدم الكلام هناك على ما فيه من الأوقات وفى الوضوء على ما فسر من تكفيره للذنوب. وجاء هنا: " خرت خطاياه " بالخاء، أى سقطت وزالت عنه، كذا لجميعهم فى هذا الحرف حيث تكرر، وعند ابن أبى جعفر " جرت " بالجيم فى الأول " ويخرج "، معناه: أى مع الماء، كما فى الحديث الآخر: " خرجت خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء " (?).
وقوله هاهنا فى الحديث: " فإنها تطلع بين قرنى شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار ": يدل على صحة تأويل من جعله على ظاهره، وأن الشيطان يفعل ذلك ويتطاول لها - كما تقدم - ليخادع نفسه أن السجود له، أو على تأويل من تأول أنهم أتباع الشيطان وعُبَّاد الشمس.
وقوله: " حتى تَسْتَقِلَّ (?) الظلَّ بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة " وقوله: " فإن حينئذ تسجر جهنم "، قال الإمام: قيل فى تفسير قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور} (?) قيل: إنه المملوء وقيل الموقد (?).