هُوَ نُسِّىَ، اسْتَذْكِرُوا القُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا ".
229 - (...) حدَّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ. قَالَ: قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد يظهر فى معنى قوله: " بئس ما لأحدكم أن يقول: إنى نسيتُ آية كذا، ولكنه نُسِّى " ذم الحال وكراهته، لا ذم القول، أى بئست (?) الحالة والصفة لمن أوتى القرآن فغفل عنه حتى نسيه فقال: نسيتُه، وهو لم ينسه من قبل نفسه، إذ ليس النسيانُ من فعله، لكنه من فعل الله الذى نسَّاه إياه عقوبةً لإعراضه عنه وتوسيده إياه، واستخفافه بحقه، كما قال فى الحديث الآخر: " لم أر ذنباً أعظَمَ من آيةٍ أو سورة حفظها رجل ثم نسيها " (?)، وهذا عندى أولى ما يتأول فى الحديث إن شاء الله.
وقوله: " بل هو نُسِىَ " بالتخفيف ضبطناه عن أبى بحر، وبالتشديد لغيره. وفى الحديث حجة للجهد فى صلاة الليل فى النافلة، وحجة لمن قال: الإظهار لها أفضل وكان أهل المدينة يتواعدون لقيام القراء.
قال الإمام: قوله فى القرآن: " لهو أشد تفصِّياً من صدور الرجال من النعم بِعُقلها ": قال الهروى: كل شىء كان لازماً للشىء ففصل، قيل: تفصَّى منه كما يتفصى الإنسان من البَلِيَّة، أى يتخلص منها (?).
قال الإمام: وتفسيره فى الحديث الآخر [الذى بعده لأن فيه] (?): " لهو أشد تفلُّتاً من الابلِ بعقلها " (?) وهو جمع عقال، نحو كتاب وكتب، والنَّعم تذكر وتؤنث، وهى هاهنا الإبل خاصة.
قال القاضى: وقوله: " من النَّعَمِ بِعُقُلها " كذا رواية الجلودى فى حديث زهير، وعند ابن ماهان: " من عُقُلها " وصوَّب بعضهم هذه الرواية، وكلاهما صواب، وقد جاءت الروايتان فى غير حديث زهير والباء تأتى بمعنى " من "، وقيل ذلك فى قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُون} (?) {عِبَادُ اللَّه} (?) أى أنها (?)، وقيل: يشربون هنا بمعنى يُرَوونَ، فتكون الباء على بابها، وفى رواية أخرى: " فى عقلها " وهى راجعة إلى معنى " من " أيضاً وبمعنى الباء.