وَاعْلَم - وَفَقَكَ اللهُ تَعَالى - أَنَّ الوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وسَقِيمِهَا، وَثِقَات النَّاقِلينَ لهَا مِنَ المُتَّهَمِينَ، ألا يَرْوِىَ مِنْهَا إِلا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ، وَالسَّتَارَةَ فِى نَاقِلِيَهِ، وَأَنْ يَتَقِىَ مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلَ التُّهَمِ وَالمُعَانِدِينَ، مِنْ أَهْلِ البِدَع.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الذِى قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللازِمُ دُونَ مَا خَالَفَهُ قَوْلُ اللَّه جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (?)، وَقَالَ جَل ثَنَاؤُهُ: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (?)، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} (?). فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآى أَنَّ خَبَرَ الفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ العَدْلِ مَرْدُودَةٌ.
وَالخَبَرُ، وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَهَادَةِ فِى بَعْضِ الوُجُوهِ، فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِى أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا، إِذْ كَانَ خَبَرُ الفَاسِقِ غَيْرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقول مسلم- رحمه الله-: " والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة فى بعض الوجوه، فقد يجتمعان فى أكثر معانيها ": ما أحسن قول مسلم هذا وأبينه فى الدلالة على كثرة علمه وقوة فقهه (?)، فاعلم أَنَّ الشهادة والخَبَر يجتمعان عندنا فى خمسة أحوال ويفترقان فى خمسة أحوال.
فالخمسة الجامعة لها: العقل، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، وضبط الخبر أو الشهادة حين السماع، والأداء، فمتى اختل وصف من [هذه] (?) الأوصاف فى أحد لم يقبل خبره ولا شهادته.
وأما الخمسة التى يفترقان فيها: فالحريَّة، والذكورية، والعدد، ومراعاة الأهلية، والعداوة.
فخبر العبد مقبول [وإن لم تقبل] (?) شهادته عندنا، وكذلك خبر الواحد والمرأة مقبول، ولا تقبل شهادتُهما مجردةٌ إلا فى مواضع مستثناة وشرائط معلومة. وخبَرُ الرجل وروايته فيما ينتفعُ به خاصُ أهله أو يضر به عدوهُ مقبول (?)؛ ولهذا لا يُعذَّر فى مكشفى