فموضوع الفقهاء فعل المكلف، وكثير من مسائلهم ظني، وموضوع المتكلمين القطع، فمن ههنا انقسم نظر الفريقين، وإلا فيجوز بناء التكفير على الظن بلا خطر، لأن الظن في طريق العلم بالحكم لا في الأمر الموجب لكفر المكفر. وأيضاً التكفير بمضمون خبر الواحد لا بإنكار ثبوته، وقد تختلف الأحكام في نحو الثبوت والدلالة، فالشافعية مثلاً راعوا في أخذ الفرض وترك الواجب من التقسيم حال المضمون فيثبتون الفرض بخبر الواحد، والحنفية راعوا هناك حال الثبوت. هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام. هذا والله ولي التوفيق.
اتفقوا في بعض الأفعال على أنها كفر، مع أنه يمكن فيها أن لا ينسلخ من التصديق، لأنها أفعال الجوارح لا القلب، وذلك كالهزل يلفظ كفر، وإن لم يعتقده، وكالسجود لصنم، وكقتل نبي، والاستخفاف به، وبالمصحف، والكعبة، واختلفوا في وجه الكفر بها بعد الاتفاق على التكفير، فقيل: إن الشارع لم يعتبر ذلك التصديق حكماً، وإن كان موجوداً حقيقة. حكاه الحافظ ابن تيمية في "كتاب الإيمان" من لفظ الأشعري، وقيل: إن ما كان دليل الاستخفاف يكفر به، وإن لم يقصد الاستخفاف، ذكره في "رد المحتار"، وقيل زيد على التصديق المجرد أشياء في الإيمان المعتبر شرعاً، وقيل التصديق المعتبر لا تجامع هذه الأفعال. ذكره العلامة قاسم في حاشية "المسايرة"، والحافظ ابن تيمية رحمه الله. وبالجملة يكفر ببعض الأفعال أيضاً انفاقاً، وإن لم ينسلخ من التصديق اللغوي القلبي.