ومن حاول أن يصرف هذه النقود المبذولة في ذلك طاعة لله، وامتثالاً لما شرعه الله ورسوله، إلى ما توهّمه بعقله الفاسد، ورأيه الكاسد منْ أنَّ صرفَ تلك المبالغ إلى إصلاح آبار مكة، وطرقها، وتكاياها، وتنظيفها 1، وعلى كل ما يعود على الحجاج بالراحة والصحة والسلامة هو الأصلح: فقد حاول أن يشرع للناس من الدين ما لم يأذن به الله، وذلك كفرٌ بواح، لا يستريب فيه من له أدنى مسكة من عقل أو دين. قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه} [الشورى:21] .
وإذا كان من المعلوم أنه ليس من شرع الله، ولا مما لم يأذن به الله، كان من شرع طواغيت هؤلاء الزنادقة، الذين يزعمون أن نصوص الكتاب والسنّة ظواهرُ ظنية، وما رأوه بعقولهم وقياساتهم الباطلة أنها قواطع عقلية، أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون.
ثم إنه قد كان من المعلوم عند خواص الناس وعوامهم أنه قد بذل من الأموال والصدقات ما يقوم بإصلاح آبار مكة، وطرقها، وما يحتاج، وما يحتاج إليه الحجاج من المصالح الدنيوية والدينية ما يكفي، ويعود نفعه إلى ما فيه صلاحهم وسلامتهم، فلا حاجة إلى السعي في إبطال ما شرعه ورسوله صلى الله عليه وسلم من مناسك الحج، وشعائره التي لا يتم ولا يستقيم الحج إلا بها.
وأمّا إصلاح آبار مكة وطرقها وتكاياها فإن الحج يتم بدون ذلك والله أعلم.