الأحوال في مطاعمهم وملابسهم ومراكبهم إلا أوقفوهم على أغراضهم فيه، ولا شك أن هذا مناف للحكمة والمصلحة بين المخلوقين، فكيف بشأن رب العالمين وأحكم الحاكمين، الذي لا يشاركه في علمه ولا حكمته أحد أبداً.
فحسب العقول الكاملة أن تستدل بما عرفت من حكمته على ما غاب عنها، وتعلم أن له حكمةً في كل ما خلقه وأمر به وشرعه، وهل تقتضي الحكمة أن يخبر الله تعالى كلَّ عبد من عباده بكل ما يفعله، ويوقفهم على وجه تدبيره في كل ما يريده، وعلى 1 حكمته في صغير ما ذرأ وبرأ من خليقته، وهل في قوى المخلوقات ذلك؟ بل طوى سبحانه كثيراً من صنعه وأمره عن جميع خلقه، فلم يطلع على ذلك ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً.
والمدبر الحكيم من البشر إذا ثبتت حكمته وابتغاؤه الصلاح لمن تحت تدبيره وسياسته كَفاَ في ذلك تتبع مقاصده فيمن يولي ويعزل، وفي جنس ما يأمر به وينهى عنه، وفي تدبيره لرعيته وسياسته لهم دون تفاصيل كل فعل من أفعاله، اللهم إلا أن يبلغ الأمر في ذلك مبلغاً لا يوجد لفعله منفذ ومساغ في المصلحة أصلاً، فحينئذ يخرج بذلك عن استحقاق اسم الحكيم، ولن يجد أحد في خلق الله ولا في أمره ولا واحد من هذا الضرب، بل غاية ما تخرجه نفس المتعنت أمور يعجز العقل عن معرفة وجوهها وحكمتها، وأما أن ينفي ذلك عنها فمعاذ الله إلا أن يكون ما أخرجه كذب على الخلق والأمر فلم يخلق الله ذلك ولا شرعه.