مع حديث الترمذي: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدّخر شيئاً لغد" (?).

هذا من التعارض في النقل. ويقدّم حديث الصحيحين، ويسقط حديث الترمذي، لأن المثبِتَ مقدّم على النافي، ولأن حديث الصحيحين أقوى.

تنبيه: الحديث الذي احتجّ به القائلون بالتعارض، وهو ما قال ابن عباس: "يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس نصّاً في أنه يجب المصير إلى الفعل الثاني في جميع فروع المسألة، واعتبار الأول منسوخاً، بل ربما كان في بعض الصور على سبيل تقديم الثاني تقديم أولوية وأفضلية، لا تقديم ناسخ على منسوخ. وهذا واضح في حديث ابن عباس، فإنه قال ذلك في شأن إفطار النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر في غزوة الفتح، فجواز الإفطار في السفر قائم باتفاق. ولكن الاختلاف في الأفضلية، فعليها ينصب استدلال ابن عباس.

وإنما يتعيّن المصير إلى النسخ حيث يتم التعارض وتوجد شروطه. والله أعلم.

مسألة اختلاف الفعلين قلة وكثرة:

هذه مسألة مهمة ذكرها الشاطبي (?). وهي كالتقييد لما أطلقه غيره من الأصوليين.

وحاصلها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يكون فِعْلُه في عبادة ما، مستمراً على طريقة معينة، ولكنه يؤثر أحياناً فعلاً مخالفاً للأول، إما على قلة، وإما في وقت من الأوقات، أو حال من الأحوال.

فالذي ينبغي إزاء هذا، أن تقسم المسألة إلى قسمين:

الأول: أن يكون للقلة سبب معلوم، من أجله خالف الأمر المستمرّ، ومثاله أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الصلوات لأوائل أوقاتها، هذه عادته المستمرة، ولكنه أخّر أحياناً لعارض، كما قد أخّر الصلاة إلى آخر وقتها لكي يبيّن آخر الوقت لمن سأله عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015