مقدمة في الاختلاف بين الأدلة

إذا نظر المجتهد في المسألة، وعرف الأدلة الشرعية الواردة فيها، فقد تكون تلك الأدلة متفقة في الدلالة على الحكم فيقوّي بعضها بعضاً، ويتأكد حكم المسألة بذلك.

وإن كانت الأدلّة مختلفة، ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر، فإن كان بعضها قطعيّ الثبوت والدلالة، والآخر ظنّيّ الثبوت، أو ظنّي الدلالة أو ظنيهما، قدّم القطعيّ على الظنيّ، إذ إن الظن ينتفي بمخالفة أمر قاطع. ومثاله أن يخبرك مخبر أن فلاناً غائب عن البلد، ثم تنظر فترى ذلك الشخص بعينه أمامك، فإن خبر المخبر يتبيّن خطؤه، بثبوت نقيض مدّعاه قطعاً، فينتفي ظن غيبته أصلاً (?) وقد ردّت عائشة رضي الله عنها حديث عمر وحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه" (?). ردّته بقول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

وأما أن يكون دليلان قاطعان ينفي أحدهما عين ما يثبته الآخر، فذلك بالنظر إلى الحقيقة والواقع أمر مستحيل. لأن الشريعة من عند الله، فلا تناقض فيها، إلاّ بأن يكون أحد الدليلين ناسخاً للآخر.

وأما تعارض ظني مع ظني فهذا أمر ممكن، وواقع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015