يتعرّض الأصوليون في مؤلفاتهم الشاملة للأفعال النبويّة، ضمن مباحث السنّة، كما ذكرنا. وأكثرهم يفرد الأفعال بباب، أو فصل، أو مسألة. يتعرّضون للفروق في الدلالة بينها وبين الأقوال، ويردون ما يثار حول حجيتها من الشبهات. وقليل منها يذكر مباحث السنة بصفتها العامة ويغفل الأفعال، كما فعل ابن قدامة في (روضة الناظر)، اكتفاء بكلامه على حجيّة السنة ودلالتها، غير أننا نعتبر ذلك قصوراً ممن فعله. بل ينبغي إعطاء الأفعال من الدراسة حقها، ليفرق الفقيه بين القول والفعل، ويعلم كيف يستفيد الحكم من كل منهما على استقامة، وحسب ما تقتضيه (الأصول).
ولم أجد أحداً أفرد أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - بمؤلف خاص، ما عدا اثنين من المؤلفين الفضلاء:
أحدهما: أبو شامة المقدسي، وهو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي، نزيل دمشق، والمقتول غيلة ببيته سنة 665 هـ، وهو أحد تلامذة الأصولي الشهير سيف الدين الآمدي. وأبو شامة مؤرخ، أديب، فقيه، عالم بالقراءات، بالإضافة إلى تضلعه في علم الأصول، وله باع جيد في بيان حقيقة البدع وإنكارها كما يعلم من كتابه المشهور الذي سمّاه (الباعث على إنكار البدع والحوادث).
وتأليفه في الأفعال سمّاه (المحقّق من علم الأصول في ما يتعلّق بأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -) وهو كتاب جيد، يدل على بصر مؤلفه بعلم الأصول، ودقته في أبحاثه، مع ورع وأمانة. وقد نقل عنه الزركشي في (البحر المحيط) واعتمد ما نقل عنه. ونقل عنه أيضاً الشوكاني في (إرشاد الفحول) فأكثر، وخالفه في بعض ما نقل عنه. ونقل عنه ابن أبي شريف في حاشيته على جمع الجوامع (?) ونقل عنه غيرهم.