إذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أمراً ما، وعلمنا حكمه على الطريقة المذكورة آنفاً، فإما أن يكون الترك مطلقاً، وإما أن يكون منوطاً بسبب.
ومقتضى الترك المطلق أن يكون حكمنا كحكمه - صلى الله عليه وسلم - مطلقاً، أعني دون تقييد بسبب. ومثاله تركه - صلى الله عليه وسلم - الأكل متكئاً، ظاهر فيه أنه على وجه التقرّب، فيحمل تركه الإتكاء أثناء الأكل على ترك المكروه، وفي حقنا كذلك، مطلقاً. ومثله أنه: "لم ينتقم لنفسه" (?) و"كان لا يصافح النساء في البيعة" (?).
ومقتضى تركه - صلى الله عليه وسلم - لسبب أن يكون حكمنا كحكمه - صلى الله عليه وسلم - حال وجود السبب، فإذا زال السبب زال الحكم، ورجع الأصل.
وإيضاح ذلك بما يأتي:
إن ما تركه - صلى الله عليه وسلم - مما كان مظنّة أن يفعله كثيراً ما كان يتركه لسبب قائم لولاه لفعله. وترجع تلك الأسباب إلى أنواع، منها:
النوع الأول: ترك الفعل المستحب خشية أن يفرض على الأمة. وفي حديث عائشة قالت: "إن كان - صلى الله عليه وسلم - لَيَدَعُ العمل وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم". ومنه أنه - صلى الله عليه وسلم - ترك قيام رمضان جماعة، بعد أن