"أهل السنة" تمييزاً لهم عن المبتدعة في الأعمال أو الاعتقادات، كالمعتزلة، والشيعة، والخوارج. ولهذا الاستعمال أصل في الحديث النبوي، قال - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي. تَمَسّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (?). فقابل السنن بالبدع.
وفي الصدر الأول كانت السنّة تطلق على طريقة الخلفاء الراشدين، بالإضافة إلى طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد روي ذلك من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (سنة الخلفاء الراشدين) كما في الحديث الآنف الذكر. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "جلَد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكلٌّ سنة" (?). إلا أنه لما أخذ الفقهاء فيما بعد بالمبدأ القائل بأنه لا حجّة في قول أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، قُصِرت دلالة لفظ "السنة" على أقوالِ وأفعالِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده. قال ابن فارس: "كره العلماء قول من قال: سنة أبي بكر وعمر، وإنما يقال سنة الله وسنة رسوله" (?).
أما في اصطلاح الفقهاء فالسنة بمعنى النافلة والمندوب، أي ما يتقرب به إلى الله تعالى مما ليس بمتحتم على المسلم.
وبعضهم جعله لنوع خاص من القربة هي ما داوم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التعبدات، كالوتر والرواتب وصوم الاثنين والخميس، دون ما لم يداوم عليه، كالنوافل المطلقة. واستعمل الفقهاء "السنة" في باب الطلاق خاصة للدلالة على الجواز الشرعي، فقالوا: طلاق السنة، وقابلوه بقولهم: طلاق البدعة، وهو غير المشروع، كالطلاق في الحيض، وطلاق الثلاث دفعة واحدة.
هذا ويلاحظ على تعريف الأصوليين للسنة، أنه يدخل فيه ما لم يكن من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله حجة، كأفعاله وأقواله في شؤون الدنيا الصرفة، لقوله: