إبراهيم من الاحتراق بالنار، وعصم موسى من أذى فرعون، وعصم عيسى من القتل والصلب، صلى الله عليهم أجمعين.

وأما نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد أصابه ما أصابه في الله، وناله أذى المشركين، فشُجَّ يوم أحُدٍ وكُسرت رباعيته (?)، وسقط عن بعيره، وجُحِش شِقه، وسُحر. ومن جهة أخرى عصم في بعض المواقف، فعُصم من أذى أبي جهل، وأنجي ليلة الهجرة من المشركين، ومُنِع عنه سراقة بن مالك، ووُقي سيف غورث بن الحارث، واغتيال عثمان بن طلحة العبدري، وأرْبَد بن قيس، وعامر بن الطفيل، وأعلمه الله بأن بني النضير يريدون اغتياله، وأخبرته الذراع الذي سُمّت له، إلى غير ذلك من الوقائع التي ذكرت في السيرة، وعصمه الله فيها (?).

وهذا مُشكل مع قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} فإن هذه الآية تقتضي عصمته في جميع الأحوال.

والذي أراه أن الوقائع التي ناله - صلى الله عليه وسلم - فيها الأذى من الناس إنما كانت قبل نزول آية العصمة. فإنها من سورة المائدة. وسورة المائدة من أواخر ما نزل. قال القرطبي: "روي أنها نزلت مُنْصَرَف النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية" (?). ونُقل أن آية العصمة المذكورة، نزلت في قصة غورث بن الحارث التي وقعت بالحديبية (?). فإن صح الخبر بذلك، دلّ على أن العصمة من أذى الناس أمر ضمنه الله تعالى لنبيه في السنة السابعة للهجرة، لا قبل ذلك. وحينئذ فلا إشكال إلا في قضية أكله - صلى الله عليه وسلم - ذراعَ الشاة المسمومة، وأنه قال عند وفاته - صلى الله عليه وسلم -: "ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر، فهذا أوان وجدتُ انقطاعَ أبهري من ذلك السُّمّ" رواه البخاري (?) وانفرد به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015