إن كان لك فضل وأنت من اعتقاد الناس فضلك لست على يقين، وعلى تقدير أنهم يفضلونك فأنت سينقص فضلك أو يزول بالكلية إذا عرفوك بغيبة الناس والوقوع في أعراضهم، فأنت بعت ما عند الله يقيناً بما عند الناس وهماً، ولو اعتقدوا فضلك لم يغنوا عنك من الله شيئاً لأن قلوبهم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء، فعليك أن تتدبّر دقائق الأمور ولا تغترّ بظواهرها.
وإذا كان الباعث على الغيبة: هو الحسد فأنت قد جمعت بين عذابين؛ لأنك حسدته على نعمة الدنيا فكنت مُعذَّباً بالحسد، وذلك؛ لأن الحاسد يجد الهمّ والغمّ وضيق الصدر، ثم لا يقنع بذلك حتى يُضاف إليه عذاب آخر يوم القيامة، فالحاسد قد جمع خسران الدنيا والآخرة، وهو في الحقيقة صديق للمحسود عدو لنفسه؛ لأنه يضيف حسناته إلى حسنات المحسود، ويتحمل من سيئاته إن لم يكن للحاسد حسنات مع أن الحسد، والغيبة لا تضر المحسود بل ربما كان ذلك سبباً لانتشار فضله.
وإذا كان الباعث على الغيبة هو الاستهزاء والسخرية فينبغي للحاسد أن يعلم أنه متى استهزأ بغيره عند الناس فإن ذلك يكون مخزياً لنفسه عند الله ثم عند خلقه، وهذه هي الخسارة بعينها.
وإذا كان المغتاب يقصد بغيبته الرحمة لغيره فهذا مقصود فاسد؛ لأنه أراد الرحمة فوقع في الغيبة المحرمة، فلو كان صادقاً في رحمته لنصح له ووجّهه وأرشده ..
أما إذا كان السبب الباعث على الغيبة هو التعجب والضحك، فإنه