افات اللسان (صفحة 9)

قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: الشاعر إذا أقر في شعره بما يستوجب الحد، لا يقام عليه الحد ; لأن الله جل وعلا صرح بكذبهم في شعرهم في قوله: وأنهم يقولون ما لا يفعلون، فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحد، ولكن الأظهر أنه إن أقر بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحد به، كما ذكره جماعة من أهل الأخبار في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة مع النعمان بن عدي بن نضلة.

قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة: وقد ذكر عن محمد بن إسحاق، ومحمد بن سعد في «الطبقات»، والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة، وكان يقول الشعر، فقال:

ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ** بميسان يُسقى في زجاج وحنتم

إذا شئت غنتني دهاقين قرية ** ورقاصة تجذو على كل منسم

فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ** ولا تسقني بالأصغر المتثلم

لعل أمير المؤمنين يسوءه ** تنادمنا بالجوسق المتهدم

فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: إي والله إنه ليسوءني ذلك، ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته، وكتب إليه عمر: بسم الله الرحمن الرحيم، (حم , تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم , غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لآ إله إلا هو إليهِ المصير) غافر: 1 - 3 أما بعد: فقد بلغني قولك:

لعل أمير المؤمنين يسوءه ** تنادمنا بالجوسق المتهدم

وأيم الله إنه ليسوءني، وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، وما ذلك الشعر إلا شيء طفح على لساني، فقال عمر: أظن ذلك، ولكن والله لا تعمل لي عملا أبدا، وقد قلت ما قلت، فلم يذكر أنه حده على الشراب، وقد ضمنه شعره لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به، انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير، وهذه القصة يستأنس بها لما ذكرنا.

وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن سليمان بن عبد الملك، لما سمع قول الفرزدق:

فبتن بجانبي مصرعات ** وبت أفض أغلاق الختام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015