حجة، لا هدى توفيق وإرشاد، فلم يتصل الهدى فى حقهم بالرحمة.
وأما المؤمنون: فاتصل الهدى فى حقهم بالرحمة، فصار القرآن لهم هدى ورحمة ولأولئك هدى بلا رحمة.
والرحمة المقارنة للهدى فى حق المؤمنين عاجلة وآجلة.
فأما العاجلة فما يعطيهم الله تعالى فى الدنيا من محبة الخير والبر، وذوق طعم الإيمان، ووجد حلاوته، والفرح والسرور بأن هداهم الله تعالى لما أضل عنه غيرهم، ولما اختلف فيه من الحق، فهم يتقلبون فى نور هداه، ويمشون به فى الناس، ويرون غيرهم متحيرا فى الظلمات، فهم أشد الناس فرحا بما آتاهم ربهم من الهدى، قال تعالى: {قلْ بِفَضْل اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مَّمِا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] .
فأمر سبحانه عباده المؤمنين المهتدين أن يفرحوا بفضله ورحمته.
وقد دارت عبارات السلف على أن الفضل والرحمة هو العلم والإيمان والقرآن، واتباع الرسول، وهذا من أعظم الرحمة التى يرحم الله بها من يشاء من عباده، فإن الأمن والعافية والسرور، ولذة القلب ونعيمه وبهجته، وطمأنينته: مع الإيمان والهدى إلى طريق الفلاح والسعادة، والخوف، ولهم، والغم، والبلاء، والألم، والقلق: مع الضلال والحيرة.
ومثل هدا بمسافرين أحدهما قد اهتدى لطريق مقصده، فسار آمنا مطمئنا، والآخر قد ضل الطريق فلم يدر أين يتوجه؟ كما قال تعالى: {قلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا اللهُ كَالّذِى اسْتهْوَتْهُ الشّيَاطِينُ فِى الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إلَى الهُدَى اُئْتِنَا قُلْ إنَّ هُدَى الله هو الُهدَى} [الأنعام: 71] .
فالرحمة التى تحصل لمن حصل له الهدى، هى بحسب هداه، فكلما كان نصيبه من الهدى أتم كان حظه من الرحمة أوفر، وهذه هى الرحمة الخاصة بعباده المؤمنين، وهى غير الرحمة العامة بالبر والفاجر.
وقد جمع الله سبحانه لأهل هدايته بين الهدى والرحمة والصلاة عليهم، فقال تعالى: {أُولِئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحَمةٌ وَأُولئِكَ هُمْ المُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] . قال عمر