ربهم أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا، كما قال الحنفاء: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ المَصِيرُ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة: 4-5] .

وقال أصحاب موسى عليه السلام: {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنْةً لِلْقَوْمِ الظّالمِينَ} [يونس: 85] .

قال مجاهد: المعنى، لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا.

وقال الزجاج: معناه: لا تظهرهم علينا، فيظنوا أنهم على حق، فيفتنوا بذلك.

وقال الفراء: لا تظهر علينا الكفار، فيروا أنهم على حق وأنا على باطل.

وقال مقاتل: لا تقتر علينا الرزق وتبسطه عليهم، فيكون ذلك فتنة لهم.

وقد أخبر الله سبحانه أنه قد فتن كلا من الفريقين بالفريق الآخر، فقال:

{وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيقُولُوا أَهؤلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: 52] فقال الله تعالى {أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرين} [الأنعام: 53] .

والمقصود: أن الله سبحانه فتن أصحاب الشهوات بالصور الجميلة، وفتن أولئك بهم، فكل من النوعين فتنة للآخر، فمن صبر منهم على تلك الفتنة نجا مما هو أعظم منها، ومن أصابته تلك الفتنة سقط فيما هو شر منها، فإن تدارك ذلك بالتوبة النصح وإلا فبسبيل من هلك، ولهذا قال النبى صلى الله تعالى عليه وآله سلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ مِنَ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ" أو كما قال.

فالعبد فى هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الأمارة، وشيطانه المغوى المزين، وقرنائه وما يراه، ويشاهده، مما يعجز صبره عنه، ويتفق مع ذلك ضعف الإيمان واليقين وضعف القلب ومرارة الصبر، وذوق حلاوة العاجل، وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا، وكون العوض مؤجلا فى دار أخرى غير هذه الدار التى خلق فيها، وفيها نشأ، فهو مكلفٌ بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طلب منه الإيمان به:

فَوَ اللهِ، لَوْلا اللهُ يُسْعِدُ عَبْدَهُ ... ِتَوْفِيقِه وَاللهُ بِالْعَبْدِ أَرْحَمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015