قال الزجاج: كان الرجل الشريف ربما أراد الإسلام، فيمتنع منه لئلا يقال أسلم قبله من هو دونه فيقيم على كفره لئلا يكون للمسلم السابقة عليه فى الفضل.
ومن كون بعض الناس لبعضهم فتنة، أن الفقير يقول: لِمَ لَمْ أكن مثل الغنى؟ ويقول الضعيف: هلا كنت مثل القوى؟ ويقول المبتلى، هلا كنت مثل المعافى؟ وقال الكفار: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نؤتى مِثْلَ مَا أُوتِى رُسلُ اللهِ} [الأنعام: 124] .
قال مقاتل: نزلت فى افتتان المشركين بفقراء المهاجرين، نحو بلال، وخباب، وصهيب، وأبى ذر، وابن مسعود، وعمار، كان كفار قريش يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين تبعوا محمدا من موالينا وأراذلنا؟ قال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيق مِنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتّخَذْتُموهُمْ سِخْرِيا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إنِّى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بَما صَبَرُوا أَنّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 109- 111] .
فأخبر سبحانه أنه جزاهم على صبرهم، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20] .
قال الزجاج: أى أتصبرون على البلاء، فقد عرفتم ما وجد الصابرون:
قلت: قرن الله سبحانه الفتنة بالصبر هاهنا، وفى قوله: {ثُمَّ إنَّ رَبّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا} [النحل: 110] .
فليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له، ومخلصة من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة.
فالفتنة كير القلوب، ومحك الإيمان، وبها يتبين الصادق من الكاذب: قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] .
فالفتنة قسمت الناس، إلى صادقٍ وكاذبٍ ومؤمن ومنافق، وطيبٍ وخبيثٍ. فمن صبر عليها كانت رحمة فى حقه، ونجا بصبره من فتنة أعظم منها، ومن لم يصبر عليها وقع فى فتنة أشد منها.
فالفتنة لا بد منها فى الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:
{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّار يفُتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكمْ هذا الّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذاريات: 13، 14] .
فالنار فتنة من لم يصبر