فالقلوب مفطورة على حب إلهها وفاطرها وتأليهه. فصرف ذلك التأله والمحبة إلى غيره تغيير للفطرة.
ولما تغيرت فطر الناس بعث الله الرسل بصلاحها وردها إلى حالتها التى خلقت عليها فمن استجاب لهم رجع إلى أصل الفطرة، ومن لم يستجب لهم استمر على تغيير الفطرة وفسادها.
فصل
والفتنة بعشق الصور تنافى أن يكون دين العبد كله الله، بل ينقص من كون دينه لله بحسب ما حصل له من فتنة العشق. وربما أخرجت صاحبه من أن يبقى معه شئ من الدين لله. قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} [الأنفال: 39] .
فناقض بين كون الفتنة وبين كون الدين كله. فكل منهما يناقض الآخر.
والفتنة قد فسرت بالشرك.
فما حصلت به فتنة القلوب فهو إما شرك، وإما من أسباب الشرك.
وهى جنس تحته أنواع من الشبهات، والشهوات.
وفتنة الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله من أعظم الفتن.
ومنه فتنة أصحاب العجل، كما قال تعالى لموسى: {إنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} [طه: 85] .
وكذلك فتنة العشق من أعظم الفتن، قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِى وَلا تَفْتِنِّى أَلا فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49] .
نزلت فى الجد بن قيس لما غزا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تبوك قال له "هل لك يا جَدّ فى بلاد بنى الأصفر، تتخذ منهم السرارى والوصفاء؟ فقال جَدُّ: ائذن لى فى القعود عنك. فقد عرف قومى أنى مغرم بالنساء، وأنى أخشى إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن، فأنزل الله تعالى هذه الآية".