وقد يبلغ الجهل بكثير من هؤلاء إلى أن يعتقد أن التعاون على الفاحشة تعاون على الخير والبر، وأن الجالب محسن إلى العاشق، جدير بالثواب، وأنه ساع فى دوائه وشفائه، وتفريج كرب العشق عنه، وأن "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".
فصل
ثم هم بعد هذا الضلال والغى أربعة أقسام:
قوم يعتقدون أن هذا لله، وهذا كثير فى طوائف العامة، والمنتسبين إلى الفقر والتصوف، وكثير من الأتراك.
وقوم يعلمون فى الباطن أن هذا ليس لله، وإنما يظهرون أنه لله خداعا ومكرا وتسترا.
وهؤلاء من وجه أقرب إلى المغفرة من أولئك، لما يرجى لهم من التوبة. ومن وجه أخبث، لأنهم يعلمون التحريم ويأتون المحرم، وأولئك قد يشتبه الأمر على بعضهم كما اشتبه على كثير من الناس أن استماع أصوات الملاهى قربة وطاعة، ووقع فى ذلك من شاء الله من الزهاد والعباد، فكذلك اشتبه على من هو أضعف علما وإيمانا أن التمتع بعشق الصور ومشاهدتها ومعاشرتها عبادة وقربة.
القسم الثالث: مقصودهم الفاحشة الكبرى. فتارة يكونون من أولئك الضالين الذين يعتقدون أن هذه المحبة التى لا وطء فيها لله تعالى، وأن الفاحشة معصية، فيقولون نفعل شيئا لله تعالى، ونفعل أمرا لغير الله تعالى، وتارة يكونون من أهل القسم الثانى الذين يظهرون أن هذه المحبة لله، وهم يعلمون أن الأمر بخلاف ذلك، فيجمعون بين الكذب والفاحشة، وهم فى هذه المخادنة والمواخاة مضاهئون للنكاح، فإنه يحصل بين هذين من الاقتران والازدواج والمخالطة نظير ما يحصل بين الزوجين. وقد يزيد عليه تارة فى الكم والكيف، وقد ينقص عنه. وقد يحصل بينهما من الاقتران ما يشبه اقتران المتواخيين المتحابين فى الله، لكن الذين