فصل

وكل حى فله إرادة وعمل بحسبه، وكل متحرك فله غاية يتحرك إليها، ولا صلاح له إلا أن تكون غاية حركته ونهاية مطلبه: هو الله وحده. كما لا وجود له إلا أن يكون الله وحده هو ربه وخالقه، فوجوده بالله وحده، وكماله أن يكون لله وحده. فما لا يكون به لا يكون، ومالا يكون له لا ينفع ولا يدوم، ولهذا قال تعالى: {لَوْ كانَ فِيهِمَا آلَهِةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] .

ولم يقل لعدمتا، إذ هو سبحانه قادر على أن يبقيهما على وجه الفساد، لكن لا يمكن أن تكونا صالحين إلا بأن يكون فاطرهما وخالقهما هو المعبود وحده لا شريك له، فإن صلاح الأعمال والحركات بصلاح نياتها ومقاصدها، فكل عمل فهو تابع عامله وقصده وإرادته.

وتقسيم الأعمال إلى صالح فاسد، هو باعتبارها فى ذواتها تارة وباعتبار مقاصدها ونياتها تارة.

وأما تقسيم المحبة والإرادة إلى نافعة وضارة، فهو باعتبار متعلقها، ومحبوبها، ومرادها، فإن كان المحبوب المراد هو الذى لا ينبغى أن يحب لذاته ويراد لذاته إلا هو، وهو المحبوب الأعلى، الذى لا صلاح للعبد، ولا فلاح، ولا نعيم، ولا سرور، إلا بأن يكون هو وحده محبوبه، ومراده، وغاية مطلوبه، كانت محبته نافعة له. وإن كان محبوبه ومراده ونهاية مطلوبه غيره كانت محبته ضارة غيره كانت محبته ضارة له وعذابا شقاء.

فالمحبة النافعة هى التى تجلب لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم، والمحبة الضارة هى التى تجلب لصاحبها ما يضره من الشقاء والألم والعناء.

فصل

إذا تبين هذا فالحى العالم الناصح لنفسه لا يؤثر محبة ما يضره ويشقى به ويتألم به، ولا يقع ذلك إلا من فساد تصوره ومعرفته، أو من فساد قصده وإرادته.

فالأول: جهل، والثانى ظلم: والإنسان خلق فى الأصل ظلوماً جهولا، ولا ينفك عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015