المتحرك من الميل والطلب لكماله وانتهائه، كحركة النار، وحركة النبات، وحركة الرياح. وكذلك حركة الجسم الثقيل إلى أسفل فإنه بطبعه يطلب مستقره من المركز، ما لم يعقه عنه عائق. وأما الحركة القسرية: كحركته بالقسر إلى العلو، فتابعه لإرادة القاسر له، فلم يبق حركة أصلية إلا عن الإرادة والمحبة.
فصل
فإذا عرف ذلك فالمحبة هى التى تحرك المحب فى طلب محبوبه الذى يكمل بحصوله له، فتحرك محب الرحمن، ومحب القرآن، ومحب العلم والإيمان، ومحب المتاع والأثمان، ومحب الأوثان والصلبان، ومحب النسوان والمردان، ومحب الأوطان ومحب الإخوان فتثير من كل قلب حركة إلى محبوبه من هذه الأشياء. فيتحرك عند ذكر محبوبه منه دون غيره، ولهذا تجد محب النسوان والصبيان، ومحب قرآن الشيطان بالأصوات والألحان لا يتحرك عند سماع العلم وشواهد الإيمان، ولا عند تلاوة القرآن، حتى إذا ذكر له محبوبه اهتز له وربا، وتحرك باطنه وظاهره شوقا إليه وطربا لذكره.
فكل هذه المحاب باطلة مضمحلة سوى محبة الله وما والاها، من محبة رسوله، وكتابه، ودينه، وأوليائه. فهذه المحبة تدوم وتدوم ثمرتها ونعيمها بدوام من تعلقت به، وفضلها على سائر المحاب كفضل من تعلقت به على ما سواه. وإذا انقطعت علائق المحبين، وأسباب توادهم وتحابهم لم تنقطع أسبابها. قال تعالى: {إذّ تَبَرَّأَ الّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الّذِينَ اُتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتقَطّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة: 166] .
قال عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما: "المودة".
وقال مجاهد: "تواصلهم فى الدنيا".
وقال الضحاك: "يعنى تقطعت بهم الأرحام، وتفرقت بهم المنازل فى النار".
وقال أبو صالح: "الأعمال".