المخدوع أى بضاعة أضاع، وأن من كان مالك رقه وقلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع، فأى مصيبة أعظم من مصيبة ملك أنزل عن سرير ملكه، وجعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيرا، وجعل تحت أوامره ونواهيه مقهورا. فلو رأيت قلبه وهو فى يد محبوبه لرأيته:
كعُصْفُورَةٍ فِى يد طِفْلٍ يَسُومُهَا ... حِيَاضَ الرَّدَى، وَالطِّفْلُ يلْهُو وَيَلْعَبُ
ولو شاهدت حاله وعيشه لقلت:
وَمَا فِى الأرْضِ أشْقَى مِنْ مُحِبٍ ... وَإنْ وَجَدَ الْهَوَى حُلْوَ المَذَاقِ
تَرَاهُ بَاكِياً فى كُلِّ حِينٍ ... مَخَافَةَ فُرْقَةٍ، أَوْ لاشْتِيَاقِ
فَيَبْكِى إنْ نَأَوْا، شَوْقاً إِلَيْهِمْ ... وَيَبْكِى إنْ دنَوْا، حَذَرَ الْفِرَاقِ
ولو شاهدت نومه وراحته، لعلمت أن المحبة والمنام تعاهدا وتحالفا أن ليسا يلتقيان ولو شاهدت فيض مدامعه، ولهيب النار فى أحشائه لقلت:
سُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ، مُتْقِنِ صُنْعِهِ ... وَمُؤَلِّفِ الأَضْدَادِ دُونَ تَعاَنُد
قَطْرٌ تَوَلّدَ عَنْ لَهِيبٍ فى الْحَشَا ... مَاءٌ وَنَارٌ فى مَحَلٍّ واحِدِ
ولو شاهدت مسلك الحب فى القلب وتغلغه فيه، لعلمت: أن الحب ألطف مسلكا فيه من الأرواح فى أبدانها.
فهل يليق بالعاقل أن يبيع هذا الملك المطاع لمن يسومه سوء العذاب، ويوقع بينه وبين وليه ومولاه الحق الذى لا غناء له عنه ولا بد له منه أعظم الحجاب؟ فالمحب بمن أحبه قتيل. وهو له عبد خاضع ذليل. إن دعاه لباه. وإن قيل له: ما تتمنى؟ فهو غاية ما يتمناه، لا يأنس بغيره ولا يسكن إلى سواه، فحقيق به أن لا يملك رقه إلا لأجلِّ حبيب. وأن لا يبيع نصيبه منه بأخس نصيب.