الله يزع الشاهد عن الكذب فى حق كل أحد. فكان قوله حجة عامة لكل أحد. ولما كان وازع الكذب مختصاً بالمقر قصر عليه، فهو خاص قوى، والشهادة عامة ضعيفة بالنسبة إلى الإقرار، قوية بالنسبة إلى الأيدى وإلى ما ذكرناه من الدلالات.

ومعلوم أن الظنون لا تقع إلا بأسباب تثيرها وتحركها. فمن أسبابها: الاستصحاب واطراد العادة، أو كثرة وقوعها، أو قول الشاهد، أو شاهد الحال. ولا يقع فى الظنون تعارض، وإنما يقع فى أسبابها وعلاماتها. فإذا تعارضت أسباب الظنون، فإن حصل الشك لم يحكم بشئ، وإن وجد الظن فى أحد الطرفين، حكم به، والحكم للراجح. لأن مرجوحية مقابله تدل على ضعفه.

فإذا تعارض سببا ظن- وكان كل واحد منهما مكذباً للآخر- تساقطاً: كتعارض البينتين والأمارتين، وإن لم يكن كل واحد منهما مكذباً للآخر عمل بهما، على حسب الإمكان، كدابة عليها راكبان، وعبد ممسك بيديه اثنان، ودار فيها ساكنان، وخشبة لها حاملان، وجدار متصل بملكين، ونظائر هذا.

فإن كان أحدهما أرجح من الآخر، عمل بالراجح، كالشاهد مع البراءة الأصلية، ومع اليد، يقدم عليهما، لرجحانه.

ولما كانت اليد لها مراتب فى القوة والضعف. كانت يد اللابس لثيابه، وعمامته، وخفه، ومنطقته، ونعله: أقوى من يد الجالس على البساط، والراكب على الدابة، ويد الراكب أقوى من يد السائق والقائد، ويد الساكن للدار أضعف من تلك الأيدى، ويد من هو داخل الحمام والخان، أضعف من هذا كله- قدم أقوى الأيدى على أضعفها. فلو كان فى الدار اثنان، وتنازعا فيها، وفى لباسهما الذى عليهما، جعلت الدار بينهما، لاستوائهما فى اليد. وكان القول قول كل منهما فى لباسه المختص به، لقوة يده بالقرب والاتصال. ولو تنازع الراكب والسائق والقائد، قدمت يد الراكب. وكذلك قال الجمهور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015