وكذلك فرض النفقة وتقديرها بدراهم، لا أصل له من كتاب، ولا سنة، ولا قول صحابى ولا تابعى، ولا أحد من الأئمة الأربعة.
فإن الناس لهم قولان، منهم من يرى تقديرها بالحب كالشافعى، ومنهم من يردها إلى العرف، وهم الجمهور، ولا يعرف عن أحد من السلف والأئمة تقديرها بالدراهم البتّة.
ثم أن فيه إيجاب المعاوضة على الواجب لها بغير رضا الزوج، ومن غير اعتبار كون الدراهم قيمة الواجب لها من الحب، أو الواجب بالعرف، ففرض الدراهم مخالف لهذا وهذا، ولأقوال جميع السلف والأئمة، وفيه من الفساد ما لا يحصيه إلا الله. فإنه إن مكن المرأة تخرج كل وقت تشترى لها طعاماً وإداما دخل على الزوج والزوجة من الشر والفساد ما يشهد به العيان، وإن منعها من الخروج أضر بها وبالزوج، وجعله كالأجير والأسير معها.
وبالجملة: فمبنى الحكم فى الدعاوى على غلبة الظن المستفاد من براءة الأصل تارة ومن الإقرار تارة، ومن البينة تارة، ومن النكول مع يمين الطالب المردودة. أو بدونها وهذا كله مما يبين الحق ظاهراً فهو بينة، وتخصيص البينة بالشهود عرف خاص، وإلا فالبينة اسم لما يبين الحق. فمن كان ظن الصدق من جانبه أقوى كان بالحكم أولى ولهذا قدمنا جانب المدعى عليه، حيث لا بينة ولا إقرار، ولا نكول، ولا شاهد حال استنادا إلى الظن المستفاد من البراءة الأصلية. فإذا كان فى جانب المدعى بينة شرعية قدم، لقوة الظن فى جانبه بالبينة.
وكذلك إذا كان فى جانبه قرينة ظاهرةٌ، كاللوث قدم جانبه.
ولذلك قدم جانبه فى اللعان، إذا نكلت المرأة، فإنها ترجم بأيمانه. لقوة الظن فى جانبه بإقدامه على اللعان، مع نكول المرأة عن دفع الحد والعار عنها باليمين.