فإن قيل: الفرق بين المسألتين: أن المغل من البذر. وهو ملك المستأجر، والمعقود عليه الانتفاع بإيداعه فى الأرض. وسقيه، والقيام عليه. بخلاف استئجار الشجر، فإن الثمرة من الشجرة، وهى ملك المؤجر.

والجواب من وجوه:

أحدها: أن هذا لا تأثير له فى صحة العقد وبطلانه. وإنما هو فرق عديم التأثير.

الثانى: أن هذا يبطل باستئجار الأرض لكلئها وعشبها الذى ينبته الله سبحانه وتعالى، بدون بذر من المستأجر، فهو نظير ثمرة الشجر.

الثالث: أن الثمرة إنما حصلت بالسقى والخدمة، والقيام على الشجرة، فهى متولدة من عمل المستأجر، ومن الشجرة. فللمستأجر سعى وعمل فى حصولها.

الرابع: أن تولد الزرع ليس من البذر وحده. بل من البذر: والتراب، والماء، والهواء. فحصول الزرع من التراب الذى هو ملك المؤجر كحصول الثمرة من الشجرة. والبذر فى الأرض قائم مقام السقى للشجرة. فهذا أودع فى أرض المؤجر عينا جامدة. وهذا أودع فى شجرة عينا مائعة، ثم حصلت الثمرة من أصل هذا وماء المستأجر وعمله، كما حصل العمل من أرض هذا وبذر المستأجر وعمله. وهذا من أصح قياس على وجه الأرض.

وبه يتبين أن الصحابة أفقه الأمة وأعلمهم بالمعانى المؤثرة فى الأحكام، ولم ينكر أحد من الصحابة على عمر رضى الله عنه، فهو إجماع منهم. ثم إن هذه الحيلة التى ذكرها هؤلاء تتعذر غالبا إذا كان البستان ليتيم، أو وقفاً، فإن المؤجر ليس له أن يحابى فى المساقاة حينئذ، ولا يخلص من ذلك محاباة المستحق فى إجارة الأرض، فإنه إذا أربحه فى عقد لم يجز له أن يخسره فى عقد آخر، ولا يخلص من ذلك اشتراط عقد فى عقد، بأن يقول: إنما أساقيك على جزء من ألف جزء، بشرط أن أؤجرك الأرض بكذا وكذا، فإن هذا لا يصح. فعلى ما فعله الصحابة - وهو مقتضى القياس الصحيح - لا يحتاج إلى هذه الحيلة، وبالله التوفيق.

المثال الثالث عشر: إذا اشترى دارا أو أرضا، وخاف أن تخرج وقفا أو مستحقة فتؤخذ منه هى وأجرتها،

فالحيلة: أن يضمن البائع أو غيره درك المبيع، وأنه ضامن لما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015