النَّاسُ في سَدَفِ الظّلامِ ... وَنَحْنُ في ضَوْءِ النّهَارِ (?)
ولهذا يضرب الله سبحانه المثلَين المائيَّ والناريَّ لوحيه ولعباده.
أما الأول فكما قال في سورة الرعد: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17].
فضرب لوحيه المثل بالماء لما يحصل به من الحياة، وبالنار لما يحصل بها (?) من الإضاءة والإشراق، وأخبر سبحانه أن الأودية تسيل بقدرها، فوادٍ كبيرٌ يسع ماءً كثيرًا، ووادٍ صغيرٌ يسع ماءً قليلًا، كذلك القلوب مُشبّهة بالأودية، فقلب كبير يسع علمًا كثيرًا، وقلب صغير إنما يسع بقدره.
وشبَّه ما تحتمله القلوب من الشبهات والشهوات - بسبب مخالطة الوحي لها، وإثارتِه (?) لما فيها من ذلك - بما يحتمله السيل من الزبد، وشبَّه بطلان تلك الشبهات - باستقرار العلم النافع فيها - بذهاب ذلك الزبد، وإلقاء الوادي له، وإنما يستقرُّ فيه الماء الذي به النفع. وكذلك في المثل الذي بعده: يذهب الخَبَثُ الذي في ذلك الجوهر، ويستقر صَفْوه.
وأما ضرب هذين المثلين للعباد؛ فكما قال في سورة البقرة: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ