الباب الرابع
في أن حياة القلب وإشراقه مادةُ كل خير فيه وموتَه وظلمتَه مادةُ كل شر فيه
أصلُ كلِّ خيرٍ وسعادة للعبد بل لكل حي ناطق: كمال حياته ونوره، فالحياة والنور مادة الخير كلُّه، قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، فجمع بين الأصلين: الحياة، والنور، فبالحياة تكون قوَّته، وسمعه، وبصره، وحياؤه، وعِفّته، وشجاعته، وصبره، وسائر أخلاقه الفاضلة، ومحبته للحسن، وبغضه للقبيح، فكلما قويت حياته قويت فيه هذه الصفات، وإذا ضعفت حياته ضعفت فيه هذه الصفات. وحياؤه من القبائح هو بحسب حياته في نفسه، فالقلب الصحيح الحي إذا عُرضت عليه القبائح؛ نَفَر منها بطبعه وأبغضها، ولم يلتفت إليها، بخلاف القلب الميت، فإنه لا يفرّق بين الحسن والقبيح كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف والمنكر (?).
وكذلك القلبُ المريضُ بالشهوة، فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرِض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه.