ما يلقى عاشق النسوان والمردان من عذاب وشقاء في الدنيا والآخرة

ذلك من القُرْبِ من الرحمن، فسكنت إلى ذلك المحبوب الخسيس الذي ألمُها به أضعافُ لَذّتها، ونَيْلُه والوصول إليه أكبر أسباب مضرَّتها، فما أوْشَكَهُ حبيبًا يستحيل عدوًّا عن قريب، ويتبرَّأ منه مُحِبُّه لو أمكنه حتى كأنه لم يكن له بحبيب، وإن تمتّع به في هذه الدار فسوف يجدُ به أعظم الألم بعد حين، لا سيَّما إذا صار {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].

فيا حسرةَ المحبِّ الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس، وشهوة عاجلة، ذهبت لذتها وبقيت تَبِعتها، وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها، فذهبت الشهوة وبقيت الشِّقوة، وزالت المسرّة (?) وبقيت الحسرة، فوارَحْمتاه لِصَبٍّ جُمعَ له بين الحسرتين: حسرةِ فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم، وحسرة ما يقاسيه من النَّصب في العذاب الأليم! فهنالك يعلمُ المخدوعُ أيَّ بضاعة أضاع، وأن من كان مالكَ رِقِّه وقلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع، وأيّ مصيبة أعظم من مصيبة مَلِكٍ أُنْزِلَ عن سرير ملكه، وجُعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيرًا، وجُعل تحت أوامره ونواهيه مقهورًا، فلو رأيت قلبه وهو في يد محبوبه لرأيته:

كَعُصفُورَةٍ في كَفِّ طِفْلِ يَسُومُهَا ... حِيَاضَ الرَّدَى وَالطِّفْلُ يَلْهُو وَيَلْعَبُ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015