ما في تأذينهم في العير بصوت عال وتفتيش متاع الإخوة من لطائف الكيد

تسميتهم سارقين من المعاريض أو أن المنادي هو الذي قال ذلك من غير أمر يوسف

انطلقوا فأمعنوا من القرية أمر فأُدرِكوا، ثم أُجلسوا، ثم ناداهم منادٍ: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] فوقفوا، وانتهى إليهم رسوله، فقال لهم فيما تذكرون: ألم نُكرم ضيافتكم، ونوفّكم كَيْلَكم ونحسن منزلتكم، ونفعلْ بكم ما لم نفعله بغيركم، وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا؟ قالوا: بلى، وما ذاك؟ قال: إنكم لسارقون.

وذكر عن السُّدِّي (?): فلما ارتحلوا أذّن مؤذن: أيّتُها العير!

والسياق يقتضى ذلك؛ إذ لو كان هذا وهُمْ بحضرته لم يحتَجْ إلى الأذان، وإنما يكون الأذان نداءً لبعيد، يطلب وقوفه وحَبْسَهُ.

فكان في هذا من لطيف الكيد: أنه أَبْعَدُ من التهمة للطالب بالمواطأة والموافقة، وأنه لا يشعر بما فُقِدَ له، فكأنه لمَّا خرج القوم وارتحلوا، وفَصلوا عن المدينة احتاج الملك إلى صُواعه لبعض حاجته إليه، فالتمسه، فلم يجده، فسأل عنه الحاضرين، فلم يجدوه، فأرسلوا في إثْرِ القوم، فهذا أحسن وأبعد من التفطّن للحيلة من التفتيش في الحال قبل انفصالهم عنه، بل كما ازدادوا بعدًا عنه كان أبلغ في هذا المعنى.

ومن لطيف الكيد: أنه أذن فيهم بصوت عالٍ رفيع، يسمعه جميعهم، ولم يقل لواحد واحد منهم؛ إعلامًا بأنَّ ذهاب الصّواع أمر قد اشتهر، ولم يَبْقَ به خفاء، وأنتم قد اشتهرتم بأخذه، ولم يُتَّهم به سواكم.

ومن لطيف الكيد: أن المؤذن قال: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}، ولم يعيِّن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015