أنه كان يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخليفته من بعده والصحابة في عهده يجعلون الثلاث واحدة، مع أنه أيسر على الأمة وأسهل، وأبعد من الحرج، ثم يَعْمِد إلى مخالفة ذلك برأيه، ويُلزم الأمة بالثلاث من قِبل نفسه، فيُضيِّق عليهم ما وشَعه الله تعا لى، ويُعسِّر ما سَهله، ويَسُد ما فتحه، ويُحرج ما فَسَحه، ثم يُتابعه على ذلك أكابر الصحابة، ويوافقونه، ولا يخالفونه؟
ثم هَبْ أنهم خافوا منه في حياته، وكلّا فإنه كان أتقى لله سبحانه وتعالى من ذلك، وكان إذا بينت له المرأةُ ما خَفِي عليه من الحق رجع إليه، وكان الصحابة أتقى لله تعالى وأعلم به أن يأخذهم لومة لائم في الحق، وأن يمسكوا عنه خوفًا من عمر رضي الله عنه. فقد دار الأمر بين القَدْح في عمر رضي الله عنه والصحابة معه، وبين رَد تلك الأحاديث: إما لضعفهما، وإما لنَسْخها، وخفي علينا الناسخ، وإما بتأويلها وحَمْلها على مَحمِل يصحّ، ولا ريب أن هذا أولى لِتَوْفية حَق الصحابة رضي الله عنهم، الذين هُمْ أعلم بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مِن جميع مَنْ بعدَهم.
قيل: لعَمْرُ الله، وإن هذا لسؤالٌ يُورِد أمثالَه أهلُ العلم، وإنه ليحتاج إلى جواب شافٍ كافٍ، فنقول:
الناس هنا طائفتان: طائفة اعتذرت عن هذه الأحاديث لأجل عمر ومَنْ وافقه، وطائفة اعتذرت عن عمر رضي الله عنه، ولم تردَّ الأحاديث.
فقالوا: الأحكام نوعان:
نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة، ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرَّمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك. فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا