عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غَضْبانَ، ثم قال: "أيُلْعَبُ بكتاب الله وأنا بين أظْهُرِكم؟ "، حتى قام رجل، فقال: يا رسول الله! ألا أقْتُله؟
وهذه الآثار موافقة لما دلّ عليه القرآن؛ فإن الله سبحانه إنما شرع الطلاق مَرّة بعد مرة. ولم يشرعه جملة واحدة أصلًا. قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]، والمرتان في لغة العرب بل وسائر لغات الناس: إنما تكون لما يأتي مرة بعد مرة، فهذا القرآن من أوله إلى آخره، وسُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلام العرب قاطبةً شاهدٌ بذلك، كقوله تعالى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101]، وقوله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 126]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} [النور: 58]، ثم فسرها بالأوقات الثلاثة. وشواهد هذا أكثر من أن تُحصى.
ثم قال سبحانه: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، فهذه هي المرة الثالثة.
فهذا هو الطلاق الذي شرعه الله سبحانه مرةً بعد مرةٍ بعد مرةٍ، فهذا شَرْعُهُ من حيث العدد.