الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
ونظير ذلك قولُه في سورة فُصِّلت: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، فهذا لدفع شر شيطان الإنس، ثم قال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ [29 ب] مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36]، وقال ها هنا: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}؛ فأكد بـ (إن) وبضمير الفصل، وأتى باللام في {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وقال في الأعراف: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وسرُّ ذلك - والله أعلم -: أنه حيث اقتصر على مجرد الاسم ولم يؤكده؛ أريد إثبات مجرد الوصف الكافي في الاستعاذة، والإخبار أنه سبحانه يسمع ويعلم، فيسمع استعاذتك فيجيبك، ويعلم ما تستعيذ منه فيدفعه عنك، فالسمع لكلام المستعيذ، والعلم لفعل المستعاذ منه، وبذلك يحصل مقصود الاستعاذة، وهذا المعنى شامل للموضعين.
وامتاز المذكور في "فصلت" بمزيد التأكيد والتعريف والتخصيص؛ لأن سياق ذلك بعد إنكاره سبحانه على الذين شكُّوا في سمعه لقولهم، وعلمه بهم (?)، كما ثبت في "الصحيحين" (?) من حديث ابن مسعود، قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفر: قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي، كثيرٌ شحمُ بطونهم، قليلٌ فقه قلوبهم، فقالوا: أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال أحدهم: