كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 74] وقالت اللوطية: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56] فأقرُّوا مع شركهم وكفرهم أنهم هم الأخابث الأنجاس، وأن لوطًا وآله مطهرون من ذلك باجتنابهم له، وقال تعالي في حق الزُّناة: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26].
فأما نجاسة الشرك فهي نوعان: نجاسة مغلَّظة، ونجاسة مخفَّفة، فالمغلَّظة: الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، فإن الله لا يغفر أن يُشرَك به، والمخفَّفة: الشرك الأصغر؛ كيسير الرياء، والتصنع للمخلوق، والحلف به، وخوفه، ورجائه.
ونجاسة الشرك عينية، ولهذا جعل سبحانه المشرك نَجَسًا بفتح الجيم، ولم يقل: إنما المشركون نجِس بالكسر؛ فإن النجَس عين النجاسة، والنجِس بالكسر هو المتنجس، فالثوب إذا أصابه بول أو خمر نَجِسَ، والبول والخمر نجَس، فأنجس النجاسة الشرك، كما أنه أظلم الظلم؛ فإن النجَس في اللغة والشرع هو المستقْذَر الذي تُطْلَب مباعدتُه والبعد منه، بحيث لا يُلْمَسُ ولا يُشَمُّ ولا يُرى، فضلاً أن يخُالط ويلابس؛ لقذارته ونُفْرة الطباع السليمة منه، وكلما كان الحي أكمل حياةً وأصحَّ حياءً كان إبعاده لذلك أعظم، ونفرته منه أقوى.
فالأعيان النجسة إما أن تُؤذي البدن، أو القلب، أو تؤذيهما معًا. والنجَس قد يؤذي برائحته (?)، وقد يؤذي بملابسته، وإن لم تكن له رائحة كريهة.