هذا معنى كلامه، وهو محتاجٌ إلى مزيد بيان وشرح، فاعلم أن ها هنا أربعة أمور: أمران حسِّيَّان، وأمران معنويَّان:
فالنجاسة التي تزول بالماء هي ومُزِيلها حسيَّان، وأثر الخطايا التي تزول بالتوبة والاستغفار؛ هي ومزيلها معنويَّان، وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتم إلا بهذا وهذا، فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل شطر قسمًا، نبّه به على القسم الآخر، فتضمنت كلماته الأقسام الأربعة في غاية الاختصار، وحسن البيان. كما في حديث الدعاء بعد الوضوء: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهِّرين"؛ فإنه يتضمن ذكر الأقسام الأربعة.
ومن كمال بيانه - صلى الله عليه وسلم -، وتحقيقه لما يخبر به ويأمر به: تمثيل (?) الأمر المطلوب المعنوي بالأمر المحسوس، وهذا كثير في كلامه، كقوله في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "سل الله الهدى والسداد، واذكُر بالهدى هدايتَك الطريق، وبالسداد سَداد السّهم" (?)؛ وهذا من أبلغ التعليم والنصح، حيث أمره أن يذكر -إذا سأل الله الهدى إلى طريق رضاه وجنته- كونَه مسافرًا، وقد ضل عن الطريق، فلا يدري أين يتوجه، فطلع له رجل خبير بالطريق عالم بها، فسأله أن يدلَّه على الطريق، فهكذا شأن طريق الآخرة تمثيلاً لها بالطريق المحسوس للمسافر، وحاجة المسافر -إلى الله- سبحانه إلى من (?) يهديه تلك الطريق، أعظم من حاجة المسافر إلى بلد إلى من يدلُّه على الطريق الموصل إليها.