إحداها: حلاوة الإيمان ولذَّته، التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله؛ فإن من ترك لله شيئًا عوضه الله خيرًا منه، والنفس مُولَعةٌ بحب النظر إلى الصور الجميلة، والعين رائد القلب، فيبعث رائده لينظر ما هناك، فإذا أخبره بحسن المنظور إليه وجماله؛ تحرك اشتياقًا إليه، وكثيرًا ما يَتعبُ ويُتْعِبُ (?) رسوله ورائده، كما قيل:
وَكُنْتَ مَتى أرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا ... لِقَلبِكَ يَومًا أتْعَبَتْكَ المنَاظِرُ
رَأَيْتَ الذي لا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ ... عَلَيْه وَلا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابرُ (?)
فإذا كفَّ الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة، فمن أطلق لحظاته دامت حسراته؛ فإن النظر يُولِّد المحبة، فتبدأ علاقةً يتعلق بها القلب بالمنظور إليه، ثم تَقوى فتصير صَبَابةً، ينصبُّ إليه القلب بكُلِّيته، ثم تقوى فتصير غرامًا، يلزم القلب كلزوم الغريم الذي لا يفارق غريمه، ثم يقوى فيصير عِشقًا، وهو الحب المفرط، ثم يقوى فيصير شغفًا، وهو الحب الذي قد وصل إلى شَغاف القلب وداخله، ثم يقوى فيصير تَتيُّمًا (?)، والتتيُّم: التعبد، ومنه: تَيّمه الحُبُّ إذا عَبّده، وتَيْمُ اللهِ: عبدالله، فيصير القلب عبدًا لمن لا يصلح أن يكون هو عبدًا له، وهذا كله جناية النظر، فحينئذٍ يقع القلب في الأسر، فيصير أسيرًا بعد أن كان ملِكًا، ومسجونًا بعد أن كان مُطْلقًا، يتظلم من الطرف ويشكوه، والطرف يقول: أنا